خلاص البشرية من الوباء بالعدالة في توزيع اللقاح
لا يزال العالم يئن تحت وطأة انتشار وباء كوفيد ١٩ ، وتداعياته التي شلت حركة النشاط الإنساني، وخلفت ملايين الاصابات والوفيات حول العالم .
وتواجه جهود المكافحة المبذولة عالميا ، اخفاقات متتالية، في صراع مرير مع فيروس لا يكف يتمحور ،كلما اقترب العالم من دحره ،فكلما تقدمت الدول خطوة في السباق الماراثوني، استجمع قواه وأعاد تنظيم قواته وتقدم عليها خطوات ،ضاربا في موجات متتالية ،لا أحد قادر ان يتنبأ متى تنتهي .
ويجمع علماء وخبراء الوبائيات ، ومعهم منظمة الصحة العالمية ، ان اللقاحات ، هي الحل الوحيد المتاح في الوقت الراهن لكبح جماح فيروس كوفيد ١٩ ،وانه لا بد من الإسراع في التحصين ، وصولا الى المناعة المجتمعية ، خشية من مزيد من التحورات والسلالات الجديدة التي قد لا تستجيب للقاحات، فنغدو على تلكؤنا في التحصين في الوقت المناسب نادمين .
والاسئلة الكبيرة المطروحة ، لماذا لم يتمكن العالم حتى اليوم من تحقيق المناعة المجتمعية على المستوى القطري والمناعة الدولية على المستوى الأممي؟؟وهل بالامكان تحقيق مناعة مجتمعية محلية في كل دولة على حده في ظل غياب وتعذر تحقيق مناعة دولية ؟ والجواب ببساطة لا ،فالعالم اليوم اصغر بكثير من قرية في ظل تكنولوجيا المواصلات وشبكتها المنتشرة عالميا ، وواهم من يعتقد ان بإمكانه ان يعزل نفسه عن محيطه الإقليمي والعالمي ،فأين هي المعضلة في الوصول إلى المناعة الدولية إن جاز التعبير ؟؟.
يشكل لقاء الملك عبدالله الثاني في واشنطن ، مع رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة فايزر ألبرت بورلا مفتاحا لفهم ومعرفة السبب الكامن وراء الفشل في الوصول إلى مناعة مجتمعية محلية على المستوى القطري او مناعة على صعيد المجتمع الدولي ، فكيف يتأتى ذلك في غياب " التوزيع العادل والفاعل للقاحات لجميع البلدان" كما أكد الملك من أجل "تعزيز الجهود الدولية المبذولة في التصدي للجائحة".
إنطلقت برامج التطعيم بعد أقل من سنة على اكتشاف أولى حالات الإصابة المؤكدة في مدينة ووهان الصينية، ولكن طرح اللقاحات على النطاق العالمي لم يكن متساويا. فقد تمكنت بعض البلدان من الحصول على اللقاحات ومنحه لنسب كبيرة من سكانها، ولكن كثيرا من البلدان الأخرى ما زال ينتظر دوره في الحصول على الوجبة الأولى من اللقاح.
ومع ان عملية إنتاج اللقاحات تجري بسرعة كبيرة نسبيا، الا ان حجم الفئة المستهدفة بالتطعيم 7,7 مليار من البشر ،هائل وغير مسبوق، ويبقي المجال واسعا لسعي الدول لا سيما المنتجة للمطاعيم للاستئثار بحصة الأسد منها ، وما يتبقى من فتات توزعه للعالم ، وهنا تتدخل السياسة والعلاقات الدولية والقدرات الدبلوماسية والمصالح المتبادلة في تحديد وجهة المطاعيم ،لمن تمنح وعن من تحجب !!.
وحسب تقديرات بعض الخبراء ، قد لا تحصل بعض الدول على تطعيم كامل قبل حلول عام 2023، أو قد لا تحصل عليه بالمرة ، ويبدو ان كوفاكس وهي المبادرة التي تقودها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات غافي ومركز الاستعداد للأوبئة لتوفير اللقاحات إلى كل دول العالم بأسعار معقولة تتعرض للتقويض لأن العديد من الدول المشاركة فيها تتفاوض بشكل منفرد في سباق محموم للحصول على اللقاحات ، في ظل عدم توفرها بشكل يفي الاحتياجات للوصول إلى المناعة المطلوبة .
وهكذا شكل تأمين الكم الكافي من لقاحات كورونا التحدي الأبرز أمام أغلب دول العالم ، ولا بد لإخراج البشرية من هذا المأزق الذي يقودها اكراها الى نهايات ودمار أشد فتكا من الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع يد الانسان ،من تعاون دولي أوثق يضع السياسة والمصالح الأنانية الضيقة والجشع جانبا ،ويمد يد المساعدة والمساندة للدول التي تعجز عن توفير المطاعيم لأي سبب كان.
وفي كل الأحوال، تبقى دعوة الملك عبدالله الثاني لتحقيق العدالة في توزيع المطاعيم على الدول بنسب تفي احتياجاتها الفعلية ، لتحقيق المناعة المجتمعية المنشودة، مفتاحا حقيقيا للوصول إلى مناعة دولية .
وما لا شك فيه انه دون تحقق المناعة الدولية ،فإن أبواب جهنم ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر التي تهدد البشرية جمعاء ولا تستثني أحدا من الدول المتقدمة او النامية والمتخلفة على حد سواء .
وفي ظل غياب عدالة التوزيع للقاحات واحتكارها والاستئثار بحصص الأسد منها ستبقى تضرب البشرية موجات ثالثة ورابعة وربما خامسة وسادسة ،من كوفيد ١٩ وينتج الوباء تحورات وسلالات تزيد احتمالات الخروج عن السيطرة، والحاق دمار شامل في مجمل النشاط الاقتصادي والصحي والاجتماعي ،الكل خاسر فيه ، والحضارة العالمية اليوم على محك الصمود والاستجابة لهذا التحدي ، ولا يتأتى ذلك الا بالعدالة في توزيع المطاعيم على الدول الفقيرة قبل الغنية.