الرفاعي: ما بين مماطلة الشعب واستغباٸه

 
يقول رٸيس اللجنة الملکية المکلفة بالإصلاحات السياسية ورٸيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي أنه أخبر جلالة الملك بأنه سيکون لدينا حکومات برلمانية في غضون عشرين عاماً ,لکن الملك أخرج قلمه وشطب الرقم عشرين وکتب عشر سنوات علی حد زعم الرفاعي .

وهنا أضع تصريح سمير الرفاعي بين تعجبين واستفهامين ,فهل قصد المماطلة بدغدغة المشاعر أم استغباء الشعب الأردني بأنه قطع شوط المٸوية ولم ينضج بعد بتشکيل حکومات برلمانية لعدم جهوزية الأحزاب السياسية التي مورست عليها شتی وساٸل الضغط والتشويه والمسخ من عقلية الشارع وإضعافها بل والإجهاز عليها في مهدها لإبقاء هذا التشوه السياسي يشکل حالة من الجدل ,وانقسام ما بين فاعلية دور الأحزاب وفشلها في المشارکة السياسية طيلة هذا العهد الطويل والعارف لا يعرف .

لعل ما استفزني في هذا التصريح الذي أعتقد أنه لا يصل لحجم المسٶولية لشخص شکل ذات يوم حکومة واليوم يقود أهم مرحلة لترميم التشوهات السياسية التي تعاقب علی إدارتها من عاٸلته بالتحديد ثلاثة أشخاص من الجد للأب وحتی الحفيد سمير زيد عبدالمنعم الرفاعي .

ولا أظن هنا بأن الرفاعي الحفيد بحاجة لدرس في التاريخ الأردني بقدر ما هو بحاجة لإعادة مراجعة لما يصدر عنه بالذات في جزٸية ما ذهب إليه من أن عملية الإصلاح السياسي تحتاج لخطة زمنية عشرينية لکن الملك کانت رغبته بأن تکون عشرية لا عشرينية ,ونحن نعلم کما يعلم الجميع أن الحياة الحزبية قديمة العهد لدينا وحتی قبل تأسيس إمارة شرق الأردن ,فبعد الامتعاض من اتفاقة سايکس بيکو المهينة التي تم افتضاح أمرها وکشف نوياها في عام 1919 فيما يعرف بالعهد الفيصلي تم تشکيل حزب الاستقلال السوري الذي انتسب له الکثير من الشخصيات السياسية الأردنية ,وبعد إعلان الإمارة عام 1921 تم فتح فرع له في عمان وکان أول رٸيس حکومة منه للإمارة وهو رشيد طليع وبعض من أعضاء فرع الحزب بعمان ,ومنذ ذلك العهد تم تأسيس العديد من الأحزاب السياسية في الأردن ومنها حزب الشعب الأردني الذي تم تأسيسه في عمان وقد کان أول من نادی بمجلس نيابي منتخب وحکومة تکون مسٶولة أمام هذا المجلس ,کما أنه کان من الداعمين الأواٸل لفکرة عقد المٶتمر الوطني الأول المناهض للمعاهده الأردنية البريطانية المجحفة ,الأمر الذي أدی لعقد هذا المٶتمر الذي تبنی عدة بنود لترميم ما أمکن من المعاهدة البريطانية ,مما أدی لتشکيل حزب جديد برٸاسة حسين الطرونة عام 1929 والذي تم تسميته بحزب اللجنة التنفيذية للمٶتمر الوطني .

توالت تواريخ تأسيس الأحزاب مثل الإخوان المسلمين عام 1943 وتم الاعتراف به عام 1946 ,وتوالت عملية تأسيس الأحزاب السياسية بکل تيارتها وأنشطها الملحوظة أٓنذاك ومنها علی سبيل المثال ما يعرف بالحزب الوطني الاشتراکي عام 1954 والذي شکل حکومة وطنية عام 1956 عندما صدور قانون الأحزاب عام 1956, وقد کانت الحياة الحزبية في إوجها أٓنذاك حتی تم تعطيل الحياة الحزبية منذ عام 1957 وحتی عام 1989 إلی أن صدر قانون الأحزاب بعد عهود طويلة من المماطلة عام 1992 .

وأعتذر هنا عندما اضطررت لسرد ومض تاريخي عاجل لبدايات تأسيس الدولة الأردنية عندما کانت الظروف أصعب والإمکانات مستحيلة نجحنا إلی حد لا يمکن تجاهله فيما يخص النضج السياسي الذي أفرز حکومات حزبية قامت بمهامها علی أکمل وجه رغم کل قوی الشد العکسي للدولة الناشٸة أٓنذاك والظروف السياسية الصعبة المحيطة بنا حينها .

ما صرح به رٸيس اللجنة الملكية عن وجوب جدول زمني متوسط المدی لنضج عملية الإصلاح السياسي في إفراز حکومات حزبية منتخبة هو سيف ذو حدين ;أحدهما الاعتراف الصريح والواضح من رٸيس حکومة أسبق بفشل الحکومات المکلفة المتعاقبة علی مدی مراحلها الطويلة في إضعاف وتشويه ممنهج مقصود لإفشال العملية السياسية نهجاً وبرامجياً وقد نجحت في ذلك لأبعد مدی !,وثانيهما هو اتباع سياسة المماطلة وکسب الوقت ليس أکثر دون النية الحقيقية للإصلاح السياسي المزعوم بالذات لما يتسرب من داخل مطبخ اللجنة المکلفة بالخلافات التي باتت تفوج راٸحتها ما بين الإصلاحيين الحقيقيين وما بين دعاة الدولة المدنية فيما يعرف بالليبراليون الجدد .

عندما نضطر لإعطاء درس في التاريخ السياسي الأردني أضعاف مرحلتنا العمرية لشخص تناوب علی دفة السياسة هو وجده ووالده بالذات لما ذهب إليه بأن العملية السياسية بالذات الحزبية لم تنضج بعد ولن تطرح ثمارها قبل عشر سنوات علی تقدير جلالة الملك أو قبل عشرين عاماً علی أبعد تقدير لرٶية سمير الرفاعي .

هل باتت عملية الإصلاح السياسي جدلية علی أضيق داٸرة سياسية ما بين الأٓمر والمأمور ?,أم أن التصريحات الممنهجة لتبريد الشارع بصولجان المماطلة باتت الأداة الوحيدة للعودة عن وعود الإصلاح المقطوعة ?,أم أن خيارتنا حتی لمن يتأمل بهم الملك لقيادة المرحلة القادمة خيارات نحن علی موعد رهان إخفاقها بامتياز?,أم أنه هذا هو الموجود والجود من الموجود يا أردنيين ?.