النواب ينقلبون على شرعية الصندوق في امانة عمان!



أحمد الحراسيس - بخلاف تطلعات العمانيين، تمسّك مجلس النواب بمبدأ تعيين أمين عمان بقرار من مجلس الوزراء وتنسيب رئيس الوزراء، ليبدد آخر أمل بامكانية أن يسجّل هذا المجلس موقفا منحازا إلى الديمقراطية وإلى مصالح المواطنين بشكل عام.

وبالرغم من الآراء الكثيرة التي أيّدت الذهاب نحو انتخاب أمين عمان، إلا أن النتيجة النهائية للتصويت جاءت بخلاف ذلك، وأقرّ غالبية أعضاء المجلس أن يكون الأمين بالتعيين، وهو ما علّق عليه النائب أحمد القطاونة بالقول "يبدو أن وحيا هبط على النواب قبيل التصويت"!

الأمر ذاته حدث لدى اقرار أن يكون ثلث أعضاء مجلس بالتعيين وليس بالانتخاب، حيث كانت المداخلات تشير إلى رغبة في أن يكون جميع الأعضاء منتخبون أو على الأقل رفع نسبة المنتخبين إلى 75%، لدرجة اضطرت رئيس اللجنة المشتركة للقول بأن لا ضير في تبنّي ذلك المقترح، إلا أنّ نتيجة التصويت جاءت خلاف ذلك!

حاول غالبية -إن لم يكن جميع- المدافعين عن تعيين الأمين من ممثلي الأمانة والحكومة واللجنة النيابية المشتركة ترويج عبارة "عمان لها خصوصية"، والحقيقة أن أحدا منهم لم يفسّر تلك الخصوصية التي تستدعي سلب حقّ العمانيين في انتخاب الأمين! بماذا تختلف عمان عن الزرقاء مثلا؟ بماذا تختلف عمان عن لندن؟! ما هو وجه الخصوصية وما معنى أن لعمان خصوصية؟

اللافت أن كثيرا من أعضاء المجلس وبالرغم من كونهم "نواب وطن"، إلا أنهم قاسوا واقع عمان على رؤساء البلديات في دوائرهم الضيقة، ورأوا أن السماح بانتخاب الأمين سيجعله منحازا في تقديم الخدمات للمنطقة التي يقطنها، والواقع أن أي شخص سيترشح لموقع الأمين سيكون حريصا على تقديم الخدمات لكافة المناطق من أجل كسب أصواتها، فهو يعلم أن أي تجمّع سكانيّ أو مناطقي لن يكون قادرا على تنصيبه عمدة للعاصمة إن لم تكن الخدمات التي يقدمها للعاصمة وسكانها ترضي العمانيين وتستحق ثقتهم.

لا نعرف كيف نفهم ذهاب مجلس النواب باتجاه اقرار تعيين الأمين، في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن توجّه نحو الاصلاح السياسي وتشكيل الحكومات البرلمانية، فإذا تمسّكنا بالتعيين في موقع الأمين فكيف يقتنع الشعب أن هناك ارادة سياسية بأن تكون الحكومات برلمانية وتولد من رحم برلمان منتخب؟! ثمّ كيف نفهم أن مجلسا منتخبا ينحاز إلى التعيين وينقلب على شرعية الصندوق التي استمدّ منها وجوده ودوره وقوّته؟!

ما جرى ويجري في مجلس النواب خلال مناقشات قانون الأمانة تشكّل حلقة جديدة من مسلسل الردّة عن الديمقراطية الذي يشهده الأردنيون منذ سنوات، ونشهد في السنة الأخيرة ذروة تلك الردّة من خلال التوسع في الاعتقالات، والتعدي على النقابات، والمماطلة في اجراء انتخابات النقابات، والحرب على الأحزاب الوطنية التي تمكنت من نيل ثقة الأردنيين في وقت قصير من ولادتها، إلى جانب كلّ التجاوزات التي شهدتها الانتخابات النيابية التي أفرزت مجلس النواب التاسع عشر..