رفات الجندي الأردني في القدس تعيد للأذهان معركة تل الذخيرة قبل 54 عاما




لم يعلم أحد الجنود الأردنيين الذين دافعوا عن القدس قبل 54 عاما أنه سيغدو حديث الساعة، وأن حفريات في جبل المدور (التسمية الأصلية لتل الذخيرة) بحي الشيخ جراح بالقدس المحتلة ستكشف سره الذي احتضنه تراب القدس طويلا، وأنها ستنكأ جرح العديد من العائلات الأردنية التي لا تعلم مصير أبنائها ولا مواقع قبورهم.

بدأ الأمر عندما نشر مدير "مركز تراث حرب الأيام الستة" الإسرائيلي كتري معوز منشورا على صفحته الشخصية في "فيسبوك" (‏‎Facebook‎‏)، يتحدث فيه عن اكتشافه بقايا رفات جندي أردني شارك في معركة تل الذخيرة أو ما يسميها الاحتلال "جفعات هتحموشت"، ويعلق قائلا "لقد انتظَرَنا 54 عاما.. ما زالت الاكتشافات في بدايتها، وهناك العديد من القصص المدفونة في التلة".

ساعة وخاتم وعتاد

أُخذ رفات الجندي إلى معهد "أبوكبير" للتشريح في تل أبيب. وأظهرت الصور التي نشرها معوز، خنجرا غطاه الصدأ يبدو أن الجندي كان يقتنيه للحظة المواجهة وجها لوجه، إضافة إلى خوذة تميّز الجنود الأردنيين، وساعة صدئة توقفت عقاربها بعد الواحدة بعشرين دقيقة، وعلبة رصاص لامع جديد وآخر متناثر فارغ، إلى جانب بندقية وخاتم ذهبيّ لف أحد أنامله.

أظهر رفات الجندي الأردني ومتعلقاته لظاهر الأرض حفريات تقوم بها بلدية الاحتلال في القدس وشركة "موريا" الإسرائيلية ضمن مشروع سكة القطار الخفيف، لكنه سلط الضوء أيضا على قصص عشرات الجنود الأردنيين الذين قضوا مقبلين غير مدبرين في معركة تل الذخيرة.

معركة تل الذخيرة

توصف معركة تل الذخيرة شمال القدس في حي الشيخ جراح بأنها أكبر معارك القدس إبان النكسة وأكثرها شراسة، والتي حدثت في السادس من يونيو/حزيران 1967 واستمرت يومين كاملين، استشهد فيها 97 جنديا أردنيا من أصل 101 جندي ضمن كتيبة "الحسين الثانية"، حيث نجا 4 جنود فقط، بعضهم أصيب والآخر اعتُقل.

تحصّن الجنود الأردنيون في خنادق حفروها داخل التل لمنع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو البلدة القديمة والمسجد الأقصى من جهة الشمال، واستطاعوا قتل 21 جنديا إسرائيليا، لكن تفوّق السلاح الإسرائيلي وإغارة طيرانه الجوي على مواقع المدفعية الأردنية حسم المعركة.

لم يكن هذا الاكتشاف الأول في هذه التلة، فقد اكتشفت أيضا في الأول من أغسطس/آب الجاري خلال أعمال البنية التحتية الإسرائيلية 6 قاذفات للصواريخ من نوع "بازوكا" (Bazooka) امتلكها الجيش الأردني، ويعود تاريخ تصنيعها إلى شهر ديسمبر/كانون الأول 1956.

النشامى في القدس

كان شرقي القدس قبل احتلاله عام 1967 يخضع للحكم الأردني، وخاض الجيش الأردني نحو 39 معركة لحمايته إلى جانب الفلسطينيين والعرب من جنسيات مختلفة، وتظهر آثار ثكنات جيشه حتى اليوم في مناطق مختلفة من القدس. ويذكر المقدسي محمد جاد الله "أبو نهاد" (100 عام) العديد من الجنود الأردنيين الذين قاتل إلى جانبهم على سور القدس وساحات المسجد الأقصى وباب الجديد والخليل والنبي داود وصور باهر وبيت صفافا.

ويذكر جاد الله للجزيرة نت أسماء ضباط أردنيين لم ينسهم حتى اليوم منهم فايز الشوبكي وعبد اللطيف أبو قورة وصادق الشرع. ويروي عن بسالتهم وشجاعتهم قائلا إنه رأى أصابع أحدهم تتشبث بمقبض القنبلة التي ألقاها على الصهاينة حتى بعد استشهاده.

هذا وأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية بيانا اليوم الخميس يقول إن "القوات المسلحة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، تتابع خبر العثور على رفات يعتقد أنها تعود لجندي أردني.. وإنه سيتم الإعلان لاحقا عن هوية الشهيد وكافة المعلومات المتعلقة به من خلال الجهات المختصة".

الشيخ جراح يستنجد الأردن منذ النكسة حتى اليوم

أما الباحث الفلسطيني المقيم في الأردن زياد ابحيص، فقد ربط خبر الجندي الأردني بقضية إخلاء أهالي الشيخ جراح من بيوتهم، قائلا "يأتي ذلك ليذكرنا بأن ثمة مسؤولية كبرى لمواصلة معركة الدفاع عن الشيخ جراح، وأن الدولة الأردنية تحمل قدرا كبيرا من هذه المسؤولية، وهي الدولة الضامنة لأهل الحي في الاتفاقية معهم عام 1956، وأن عليها مسؤولية تجاه إرث شهداء جيشها الذين فضلوا أن يرووا الشيخ جراح بدمهم على أن يمرّ احتلال القدس من جبهتهم".

وضمن التفاعلات العربية الكبيرة مع خبر الجندي الأردني، نشر الكاتب الأردني أحمد الزعبي يقول "ارتقى كريما صادقا حقيقا، لا تعنيه كثيرا اتصالات آخر الليل، ولا يعرف ماذا يجري في غرف القيادة العربية المشتركة، هو يعرف أن القدس أمامه، وأن العقيدة خارج حسابات موازين القوى، كان مدجّجا بعروبته التي لا تنفد، وخوذة لتحمي الرأس عند الارتطام أو القنص، وخاتم لا يغادر عنق الإصبع يقبّله كلما اشتاق للزوجة والأولاد، وبعض رصاصات هي عنده بحجم ترسانة".


(جمان أبو عرفة - الجزيرة نت)