الإصْلَاحُ فِيْ وَطَنِيْ سِلْعَةٌ مُتَدَنِّيَةُ الْكُلْفَةِ


الكل منا ينادي بالإصلاح ،ويتحدث عن الإصلاح ،حتى غدت هذه المفردة أو هذا المصطلح مملا وعرضة للتندر والسخرية ،لذلك أصبح من الضروري استبدالها بغيرها ،بما يحفظ لها مكانتها اللغوية أو الاستدلالية على أقل تقدير ،حتى يصبح الجديد أو المستبدل محلها ،أكثر إقناعا أو نجاحا لإعادة بناء الواقع من جديد.
الإصلاح في وطني ،يعاني من فوضى المصطلح ،الذي أصبح سلعة متدنية الكلفة وفي متناول من يقع عليه مسؤولية التشخيص والعلاج ويدعي امتلاك مفاتيحه ؛أو من تكفل به ،وهو غير مؤهل لذلك ،وهذا ما لا نجده إلا في المجتمعات المتخلفة.
المعالجون ممن عندهم القدرة على معالجة الأخطاء الواردة والحاصلة في جوانب الحياة المتعددة في حياة وطني،تم استبعادهم أو تطفيشهم ،بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،وبالتالي دورهم تكفل به من هم أدنى منهم ،أو ممن عليه علامات استفهام كثيرة من أرباب الشد العكسي. 
الخطأ الذي وقع في تشكيل لجنة الإصلاح المزعومة ،رسمتها معايير خاطئة في وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب أو العكس ،مما سيجعل من تلك الأخطاء الرهيبة ،معول هدم لا ينفع معه إصلاح ، لأن الأساس بُنِي على خطأ ،ولم يحمل بصمات صحيحة منذ البداية ،حتى يمكن إلحاق أي تصحيح للخطأ بما هو قائم من صحيح.
نحن بحاجة ماسة إلى البناء لا الإصلاح ،تفرضها مقومات عدة منها :الإصلاح ذاته تلاشت الحاجة إليه ،كونه يبرر معالجة حالة أو بعض الحالات التي تحدث بصورة طبيعية بعد انقضاء مدة محدودة الزمن على تطبيقها أو العمل بها ،لأن عيوب الشيء يفرزه الواقع العملي عند التطبيق، فعلى سبيل المثال لا الحصر:"لو أن قائداً عسكرياً وضع خطة معينة للقيام بعمل عسكري ما ،وعند التطبيق العملي ظهر بعض الهفوات والأخطاء ،هنا يستدعي منه المعالجة الفورية لذلك ،وإيجاد البدائل المناسبة من أجل إنجاح عمله العسكري ،وفي مثل هذه الحالة ،عملية الإصلاح تكون ناجحة مئة بالمئة ،كونها تمت في وقتها ومن صاحب الاختصاص ذاته ،أما إذا كانت العملية العسكرية للقائد العسكري فاشلة ،ومسببة لمزيد من الانهيارات في قواته ،فإنه حتما سيقوم بوقف العملية العسكرية ،ويقوم بإعادة بناء قواته وخططه الموضوعة سلفا من جديد ،وليس إصلاحها ،هنا : "تكمن ضرورة التمييز ما بين الإصلاح والبناء".
وأسوق مثالا آخر في الحقل الاقتصادي ،فمثلاً عندما نتحدث عن مستثمر ما ،إنه حتما يضع خطة عمل متكاملة لمدخلات ومخرجات مشروعه الاقتصادي  ،والتي بدورها تحدد مسار نجاح المشروع من فشله ،فإن حدث إرباك في المشروع أو تذبذب في إنتاجيته ،حتما سوف يقوم بمعالجة خططه الموضوعة في المدخلات ،أما إذا وصلت المخرجات إلى مرحلة مهددة للمشروع ،فإنه حتما يقوم بغلق المشروع والإقدام على مشروع اقتصادي جديد.
أردننا يعيش اليوم هذه الحالة ،حيث وصل إلى مرحلة الانهيار التي هي بحاجة إلى إعادة بناء وليس إصلاح ،لأنّ جميع روافد مداخل الإصلاح مغلقة في وطني ،فهو يعاني من العدمية ؛لأنها انعدمت في الفترات السابقة ،ولم يعد لها أي قيمة تذكر.
فالإصلاح أمرٌ صعبٌ لا بل مستحيل، والتغيير والتطوير متعذرٌ ،ولذلك ستبقى الأوضاع تراوح مكانها على ما هي عليه من أخطاء وانحرافات مع ما فيها من تخلف عن مواكبة التطور ،لذا فإعادة البناء ولو خطوة خطوة ،لهو الخيار الأرجح والأنسب لأردن أفضل.