عن موسوعة "تاريخ الطب الحديث في الأردن وفلسطين" للدكتور كامل العجلوني



كتب الدكتور موسى العجلوني  - صدر قبل ايام كتاب موسوعي متميز وغير مسبوق عز نظيره في الأردن والوطن العربي خاصة والعالم عامة يؤرخ ويوثق لتطور الطب والخدمات الصحية في الأردن وفلسطين في العصور الحديثة منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم كتبه العلامة الأستاذ الدكتور كامل محمد صالح العجلوني اطال الله في عمره والذي نأمل ان يكون نموذجا يحفز المؤلفين والمختصين في القطاعات الأخرى كالتعليم والزراعة والصناعة وغيرها للقيام بأعمال مماثلة.

لقد صدرت هذه الموسوعة في ثلاثة مجلدات بلغ مجموع صفحاتها حوالي ثلاث آلاف صفحة من القطع الكبير . اشتمل الجزء الأول من المجلد الأول على مقدمة تؤرخ لمرحلة انهيار الدولة العثمانية والتغلغل الثقافي والإقتصادي للدول الكبرى آنذاك في كل ولاياتها وخاصة العربية منها والنشاط التبشيري المسيحي الذي كان بمثابة الحاضنة للخدمات الطبية في الأردن وفلسطين خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقدم المؤلف في هذا الجزء شرحا مفصلا عن نشأة المستشفيات في فلسطين وشرق الأردن خلال هذه الفترة وعرضا شاملا ووافيا للوضع الصحي والصحة العامة والأمراض السارية والأمومة والطفولة.



وتناول الجزء الثاني من المجلد الأول نمو وتطور المستشفيات في الأردن شاملا المستشفيات الحكومية ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية والمستشفيات التبشيرية والخاصة. وبين المؤلف في هذا الجزء ايضا الدور الطبي الذي قامت به وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين في الضفتين والتي انشأت في اعقاب نكبة فلسطين عام 1948 وسجل بإسهاب نشأة ودور المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة في الأردن مثل مدينة الحسين الطبية ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية ومستشفى الجامعة الأردنية ومستشفى الملك عبدالله المؤسس والمركز الوطني للسكري والغدد الصم والوراثة ومركز الحسين للسرطان ومركز العلاج بالخلايا .

تناول المؤلف في المجلد الثاني تطور ونشأة وواقع حال المختبرات الطبية في الأردن والطب الشرعي وبنك الدم ومركز نقل الأعضاء وزراعتها وبنك العيون الأردني. وتناول سيرة الأطباء الرواد في الأردن والأطباء المؤسسين ودورهم في انشاء المؤسسات الطبية والصحية وأسهب في توثيق نشاة وتطور ودور نقابة الأطباء الأردنيين ونشأة ودور المجلس الطبي الأردني والمجلس العربي للإختصاصات الطبية والمجلس الصحي العالي وتأسيس وإلغاء المؤسسة الطبية العلاجية. ويحتوي المجلد الثاني ايضا على معلومات شاملة عن نشأة وتطور التأمين الصحي في الأردن وعرض وافي لأنظمة التأمين الصحي الحكومي والعسكري والخاص والتشريعات ذات العلاقة وما يدور في المجتمع الصحي من أراء وأفكار حول توحيد صناديق التأمين الصحي الرسمية وخارطة الطريق للوصول الى التغطية الصحية الشاملة. كذلك اشتمل هذا المجلد على بدايات وتطور الإسعاف الفوري في المملكة وبرنامج اعتماد المؤسسات الصحية والسياحة العلاجية.

اما المجلد الثالث من هذه الموسوعة فقد تناول تاريخ وتطور كليات الطب وكليات الصيدلة في الأردن ونقابة الصيادلة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء مع شرح واف لتطور مهنة التمريض والقبالة في الأردن وتطور التعليم التمريضي ابتداء من كليات التمريض المتوسطة الى الكليات الجامعية ومرورا بنقابة التمريض والمجلس التمريضي الأردني. كما اسهب المؤلف في هذا المجلد ايضا في عرض تاريخ وتطور طب الأسنان في فلسطين والأردن وتوثيق نشأة وتطور نقابة اطباء الأسنان في الأردن وكليات طب الأسنان.

بعد هذا العرض المختصر لأهم محتويات هذه الموسوعة بمجلداتها الثلاثة فإنني أدلل على تفردها وتميزها بما يلي:

1)شمولية الموضوع: شمول الكتاب لكل الجوانب المرتبطة بالطب والقطاع الصحي فهو يغطي تطور الطب والصحة العامة وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والقبالة والمهن الطبية المساعدة والكليات الطبية والصحية والتعليم والتدريب الطبي والمجالس الطبية والصحية ومراكز التخصص والتأمين الصحي والإعتمادية والسياحة العلاجية والمختبرات الطبية وبنوك الدم والطب الشرعي ونقل الأعضاء وبنك العيون والإسعاف الفوري ويتفرد في تخصيصه احد الأجزاء للتعريف برواد الطب الأوائل في الأردن وبيان تجاربهم ونتاجهم العلمي ولا يفوت المؤلف التعريج على المناقشة المستفيضة لتجربة المؤسسة الطبية العلاجية بما لها وعليها إضافة الى تسليط الضوء على بعض المقالات الصحفية المنشورة في الصحف اليومية.

2)خبرة وتمرس المؤلف:تفرَّد المؤلف بمعايشة القطاع الصحي في الأردن لحوالي نصف قرن دون انقطاع كان طوال هذه الفترة ولا زال في عربة القيادة كوزير ومدير وأكاديمي وباحث ومؤلف وممارس في آن واحد مما يعطي هذا الكتاب الموسوعي بعدا نوعيا وعمقا عموديا وآخر افقيا ويضيف على محتوياته مصداقية المُطَّلِع وخبرة المُجرِّب المتقن والصانع للحدث تارة والشاهد عليه تارة أخرى.

3)الشهادات والروايات الحية: اعتمد المؤلف في توثيقة للمواضيع التي أرَّخ لها وناقشها وحللها على الروايات الحية المكتوبة او المسجلة للأشخاص الذين عايشوا الأحداث التي صنعت وأنتجت القطاع الصحي الأردني بكل مكوناته كمسؤولين او مشاركين او شاهدين حيث قام باستكتاب اكثر من ستين شخصا مما يعطي مصداقية لمحتويات الكتاب ونكهة حية لهذه الأحداث التاريخية ويساعد على تقريبها للقاريء وتجعله يتفاعل معها كأنه يعيشها او يشاهدها.وقد استغل المؤلف شبكة علاقاته الواسعة والمتينة مع هذه الشخصيات التي كانت مطلعة بحكم مواقعها القيادية على ادق التفاصيل والكثير من القضايا التي كانت تدور خلف الستار فتؤثر على الأحداث دون ان تكون ظاهرة للعيان ووظَّف هذه الشهادات ببراعة فائقة لخدمة اهدافه العلمية في التأريخ الطبي المحايد الذي يعتمد على البينة والبراهين والروايات المتواترة.

4)الوثائق العلمية والتاريخية : امتاز الكتاب بالإضافة الى تعدد مراجعه وتنوعها باحتوائه على الكثير من الوثائق الأصلية والصور والتقارير الرسمية التي بذل المؤلف جهودا جبارة ونفسا طويلا في تجميعها لتضيف بعدا آخرا لمصداقية الرواية وأصالتها وتضيف للكتاب وزنا على وزن.

5) الإهتمام بالمحددات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للصحة:تميز الكتاب بخاصية فريدة من نوعها حيث لم يكتفي المؤلف بسرد وتوثيق الأحداث المتعلقة بالطب والصحة فقط بل شرح وسلط الضوء على العوامل والوقائع السياسية والعسكرية والإستعمارية والتبشيرية والإجتماعية والإقتصادية والدينية والثقافية والعلمية التي كانت محيطة بالأردن وفلسطين والدول العربية المجاورة والدولة العثمانية في القرون الثلاثة الماضية وشرح باقتدار المحلل الخبير كيف اثر ذلك على تشكيل وتطور الخدمات الطبية والقطاع الصحي في الأردن ، فالنظام الصحي كما الإنسان ابن بيئته.

6)الإهتمام بتوثيق وجمع التشريعات الصحية: اشتمل الكتاب على مجموعة كبيرة ونادرة من التشريعات الصحية من عهد الإمارة لغاية الآن والتي تظهر اهتمام الدولة الأردنية بالتشريع الصحي منذ البواكير الأولى لولادتها وخاصة في مجال الصحة العامة والوقاية من الأمراض السارية.

7)التركيز على الصحة العامة والطب الوقائي: اهتم المؤلف ، رغم انه متخصص في الطب الباطني وأمراض السكري والغدد الصم ، بقضايا الصحة العامة ووثق التطور الذي طرأ على هذا الموضوع في الأردن وفلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر لغاية الآن وأبرز اهمية الرعاية الصحية الأولية والخطط والبرامج التي اتبعتها وزارة الصحة منذ تأسيسها للنهوض بالرعاية الصحية الأولية التي تعتبر الركيزة الأساسية للنظام الصحي الناجح والفعال.

8)الأهتمام بالإحصائيات وتوثيقها: حيث ان الأرقام والإحصائيات توثق الأحداث وترصدها عبر السنين وهي بمثابة المرآة التي تعكس نوع وحجم وتطور الخدمات التي يقدمها القطاع الصحي ، فقد اهتم المؤلف بتجميع وعرض هذه الإحصائيات بشكل مكثف وغير مسبوق فيه اسهاب مفيد للمخططين الصحيين والمحللين والباحثين والدارسين.