المواقع الإلكترونية لن تستسلم.. ولن ترفع الرايات البيضاء

في الأخبار المتداولة أن هيئة الإعلام نسبت الى رئاسة الوزراء بتعديل نظام الرسوم للمواقع الالكترونية ليصبح تجديد رخصته 500 دينار سنوياً، بعد أن كان 50 ديناراً.
قيل أن هناك تعديلات على أنظمة أخرى تتعلق بالبث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا لم نتمكن من العثور على هذه الأنظمة لدراسة مقترحات التعديل للحكم عليها.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا توصي هيئة الإعلام بتعديل الرسم المقرر لتجديد رخصة الموقع الإلكتروني؟
بالتأكيد القول إن الحكومة تريد الجباية منطق لا يصح، ولا يستقيم في هذه الحالة، فالإيراد المتوقع من رسوم المواقع الالكترونية متواضع، ولا يحدث فرقاً في مالية الحكومة، ولهذا فإن المقاربة الأكثر قبولاً أن هذا التوجه يهدف بوضوح الى تقليص عدد المواقع الالكترونية المرخصة التي تستطيع الاستمرار والبقاء.
ترتفع اصوات داخل الحكومة وخارجها تستهجن معارضة رفع الرسوم، وتقول بفصيح العبارة: – الموقع الالكتروني الذي لا يستطيع ان يدفع 500 دينار لا يستحق ان يستمر، وهو ليس سوى «دكان».
طبعا هذا الكلام، وهذه المواقف لا علاقة لها بنهج الحقوق والحريات، ولا تقيم لها وزنا في الممارسات وليس في إطلاق الشعارات، ولا ترى اهمية التعدد والتنوع في وسائل الاعلام، ولا ينظرون الى ان فرض الترخيص والرسوم يتعارض بالأساس مع المعايير الدولية لحرية التعبير والاعلام.
أتساءل في مناقشة هادئة، زيادة الرسوم السنوية المقررة على المواقع الالكترونية ماذا ينتج عنها غير ترتيب مزيد من الاعباء؟
هل يساعد هذا التوجه في تطوير الاحتراف المهني للمواقع؟ هل يدفعها لإنتاج محتوى اصيل؟ هل يقلل قضايا القدح والذم المقامة عليها؟ هل يسهم في تعزيز الموضوعية، او يوقف لجوء البعض منها لممارسات توصف بالابتزاز؟
الحقيقة لا شيء من هذه الاسئلة سيحدث، فالوصفة للمهنية والموضوعية، وانتاج محتوى خلاق، لا تمر حتما بطريق رفع الرسوم المالية، ومكافحة نشر المحتوى الضار، او الحد ومواجهة عمليات الإساءة للسمعة والابتزاز لها اشتراطات وبيئات ليس من بينها ايضا فرض رسوم او زيادتها.
حين عدلت الحكومة قانون المطبوعات والنشر قبل عقد من الزمان عارضناه بقوة مع الكثير من ناشري المواقع الالكترونية، والحقوقيين، وقلنا انه يهدف الى التضييق على حرية الاعلام، وتصفية المواقع الالكترونية المستقلة، ولن يسهم ابدا كما هي ادعاءات الحكومة حينها بتحسين الحالة المهنية.
قانون المطبوعات والنشر اشترط ترخيص المواقع الالكترونية في ذاك الوقت وما يزال، وكان الأردن سباقا في اختراع قصة الترخيص لتأسيس الموقع الالكتروني، وبعدها بسنوات حدثت عمليات «تسلل» لفرض قيود اضافية على وسائل الاعلام بتعديل الانظمة التي تحتاج فقط الى موافقة مجلس الوزراء.
مرت عشر سنوات على تعديل قانون المطبوعات والنشر ولم يتغير المشهد، ولم تتوقف قضايا القدح والذم، ولم تحدث نقلات نوعية في وسائل الاعلام، وكل ما حدث تكبيل أكثر، ومحاولات مستمرة لتجفيف مصادر تمويل الاعلام الالكتروني، واخضاعه لشروط صعبة.
في الاشهر الماضية خضت حوارات طويلة مع وزير الدولة لشؤون الاعلام صخر دودين، وطالبته بمبادرات تسهم في دعم استقلالية وسائل الإعلام واحترافها، وهو يتفاعل مع الافكار والمقترحات، واستنادا لإيجابيته ندعوه ونحثه الى رفض هذه التعديلات للأنظمة لأنها ستشكل قيودا اضافية، ونطالبه بحوار علني مع كل أطراف المعادلة لبلورة خريطة طريق للنهوض وانقاذ الاعلام.
لن تستسلم المواقع الالكترونية، ولن ترفع الرايات البيضاء لإرادة من يحاول وأدها، وستقاوم التعديلات التي ترى انها ليست أكثر من حبل للإعدام، وسيدفع رئيس الوزراء وحكومته ثمنا سياسيا في معركة في التوقيت الخاطئ، وفي ظل الحديث عن تحديث المنظومة السياسية، ودعم مسار الاصلاح، وستسوء صورة الأردن في التقارير الدولية أكثر فأكثر، بعد ان وصلنا الى مرحلة «دولة غير حرة».
نقاتل منذ أكثر من 30 عاماً دفاعاً عن حقوق الانسان وبالأخص حرية التعبير والاعلام، ولا نكتفي بالنقد والمعارضة حتى لا نتهم بالعدمية، بل نقدم افكارا، ومبادرات لتحسين بيئة حرية الاعلام، ولو قرأت وسمعت الحكومات المتعاقبة المقترحات والتوصيات التي قدمت لها لتجاوزنا الكثير من الازمات، والمطبات، وربما حققنا تقدما مطردا في تجويد التشريعات والسياسات والممارسات المتعلقة بحرية الاعلام وضمانات استقلاله.
نقول للحكومة تعديل نظام الرسوم، وأي تعديلات تضيق فضاء التعبير تشعل الحرائق، والادارة العاقلة لا تصنع ازمات مجانية، او خصوما جددا لها، وإن وقع حريق رغما عنها تحاول محاصرته وإطفاءه، وهذا أضعف الايمان.
الغد