ابو الراغب يضرب من جديد .. الصحافة ستطلق رصاصة الرحمة على حكومة التأزيم

 


أحمد الحراسيس - مرّة أخرى يطلّ مدير هيئة الإعلام، طارق أبو الراغب، عبر شاشة التلفزيون من أجل تسويق التعديلات التي أجرتها الهيئة على أنظمة الإعلام، وذلك بالرغم من الاعتراضات الواسعة التي أبدتها الأسرة الصحفية على تلك التعديلات وبالرغم من مطالبات نقابة الصحفيين الواضحة والثابتة بسحب الأنظمة المعدلة قبل بدء حوار حولها.

أبو الراغب، وخلال استضافته عبر شاشة المملكة، تمسّك بشكل غريب بعدم سحب الأنظمة المعدلة، متذرّعا في البداية بكون تلك الأنظمة في عهدة ديوان التشريع والرأي وأن الأنظمة مازالت قابلة للتعديل، فيما كشف لاحقا عن اعتقاده بأن استجابة الهيئة والحكومة لمطلب الصحفيين بسحب الأنظمة المعدلة هو هزيمة، فقال: لن يتم سحب الأنظمة بهذه الطريقة، فالأمر لا يكون بالمغالبة!

واستهجن أبو الراغب مطالبات الصحفيين باقالته من منصبه بالقول: "مش انت اللي بتعيني"، رغم أنه أقرّ في بداية الحلقة بأن تلك المطالبات هي حقّ وأن لكلّ شخص الحقّ في التعبير عن رأيه بالطريقة التي يراها مناسبة.

الحقيقة أن اللغة التي تحدّث بها أبو الراغب لم تكن لائقة على الإطلاق، بل وتؤكد رجاحة المطالبات بإقالته، فقد أصبح الرجل عبئا ليس على وسائل الإعلام فقط، بل على الحكومة والدولة كلّها، ولم نسمع سابقا أن مسؤولا حكوميا تحدّى الشعب أو قطاعا من القطاعات أو شريحة من المواطنين بهذا الشكل السافر، فحتى لو كان التعيين جرى بإرادة ملكية، فإن الإرادة الملكية لا تمنح حصانة لأحد باستثناء من منحهم القانون والدستور حصانة.

وبالرغم من تأكيد أبو الراغب أن الهيئة لم ولن تتدخل في حرية الرأي والإعلام وأنها لم ولن تكون جزءا من عملية تكميم للأفواه، إلا أنه تجاهل الأعباء والقيود الإضافية التي يريد فرضها على وسائل الإعلام من أجل إعاقة عملها ومنع نموّها وتطوّرها، بل وسلب الميزات التي يوفّرها لها التقدم التكنولوجي الذي نعيشه.

وبدا واضحا حجم سوء الفهم لدى أبو الراغب فيما يتعلق بمفهوم التشاركية، فاعتبر الرجل أن نشر الأنظمة المعدلة عبر موقع ديوان التشريع والرأي يعتبر تشاركية، لكن التشاركية تعني الحوار المباشر والموسع مع أصحاب العلاقة قبل اقتراح أية تعديلات، لا أن يُفاجأ الوسط الصحفي ونقابة الصحفيين بالتعديلات عبر موقع ديوان التشريع والرأي!

الطامة الكبرى كانت عندما أصرّ أبو الراغب على أن من بين مهامّ هيئة الإعلام ودورها "الرقابة على كلّ المرخص لهم بممارسة مهنة الإعلام"، مع أن نصّ المادة (15) من الدستور صريح وواضح ولا لُبس فيه؛ الدستور منح صلاحية فرض رقابة محدودة على وسائل الإعلام "في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ، وأن تكون الرقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني"، كما أن المادة نفسها نصّت على أنه: "تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون. ولا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء ترخيصها إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون".

اللافت أن أبو الراغب -وهو محامٍ- تذرّع بكون المواقع الإلكترونية لديها مخالفات استوجبت التدخل لتنظيم عملها، والأصل أن يكون على ثقة أكبر بأن القضاء يفرض العقوبة الرادعة لأي موقع يخالف القانون، فكثير من القضايا التي تُقام ضد المواقع الإلكترونية تنتهي بعدم المسؤولية أو البراءة، مقارنة بعدد قليل من القضايا التي تتم فيها ادانة الموقع الإلكتروني.

وكان مستغربا قول مدير الهيئة إن هناك (41) موقعا إلكترونيا مخالفا لشروط الترخيص، فإذا كان هذا صحيحا، فالأصل به أن يُنفّذ القانون عليهم، لا أن يقوم بمعاقبة كافة المواقع الإلكترونية التي تلتزم بالقانون.

يريد أبو الراغب من الأردنيين والصحفيين أن يأخذوا تعديلات الحكومة على أنظمة الإعلام بحُسن نيّة، ويريد منهم أن يتوقفوا عن المطالبة بسحب الأنظمة المعدلة قائلا إن مثل هذا الشرط يشير إلى "عدمية"، لكنّه يتجاهل عدم التزام الحكومات المتعاقبة بالنوايا الحسنة التي ساقتها من أجل ترويج تعديلاتها على كثير من الأنظمة والقوانين، ومن ذلك تعهّدات رئيس الوزراء الأسبق عبدالله النسور للصحفيين لدى زيارته خيمة اعتصامهم الشهيرة في 2012 وقوله بأنه لن يُفعّل قانون المطبوعات والنشر الذي كان سبب احتجاج الصحفيين، ليعود لاحقا ويقوم بتفعيل القانون وحجب المواقع بناء عليه.

العدمية تتجلّى في موقف الحكومة السلبي من احتجاج الصحفيين الذين احتشدوا اليوم وبشكل غير مسبوق في نقابة الصحفيين رفضا للأنظمة المعدلة، كما تتجلّى العدمية في اصرار مدير هيئة الإعلام ومن ورائه وزير الإعلام على عدم سحب تلك الأنظمة، بل واعتبار الاستجابة لمطالب الصحفيين "هزيمة"، واعتبار المطالبة بإقالة موظف عام أو وزير أو حكومة ليست من حقوق الصحفيين أو الأردنيين.

الواقع أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا العبث والتحدّي لارادة الأسرة الصحفية والرأي العام، صحيح أن الرئيس بشر الخصاونة ووزير الإعلام المهندس صخر دودين مازالا يلتزمان الصمت، لكن الأكيد أن كليهما يرى ويسمع حديث أبو الراغب، والواضح أنهما من يوفّر المجال والفضاء لمدير الهيئة ليعبّر عن وجهة النظر التي تستهوي الحكومة التي فقدت تمييزها..