عمّان بين النمو والتنمية
النمو يعني الزيادة وهو يرتبط بالكثرة والوفرة وهو جزء من التنمية، فإن كان النمو سليما رتيبا يصبح عامل مساعدا لنجاح التنمية للوصول الى الرفاه والرخاء والازدهار، وبالطبع ينعكس كل ذلك على المجتمع بما نرغب به من رغدٍ للعيش، وإن كان النمو مفرطا عشوائيا أدى إلى الشِدة والعُسر والتراجع، وبالطبع على النقيض مما سبق يصبح عائق للتنمية مما يوجب إيقافه، لتستمر التنمية بدونه حتى لا ينعكس على المجتمع بما نخشاه من ضيقٍ للعيش .
لمدينة عمّان وما حولها خصوصية جغرافية نادرة جدا، فبمسافة تقل عن بضع كيلومترات يمكنك الانتقال من منطقة سهلية خضراء تربتها خصبة حمراء إلى منطقة جافة رملية صفراء او ربما الى اخرى بين هذا وذاك، تناقض تضاريسي
متقارب بشكل ملحوظ فمن جبال وهضاب إلى اودِيَةِ وصَحارِ وسهول .
نفهم النمو والزيادة السكانية والحاجة إلى التوسع بتنظيم المدن وذلك بضم مساحات حول المدينة لتحسين الواقع التنظيمي والخدماتي لها، ومن الطبيعي تجنب التوسع بإتجاه المناطق الجبلية فهي مناطق صعبة التنظيم وخاصة بشق الطرق وما يترتب بعد ضمها من مشقة وتكاليف مرتفعة لإنشاء أي من البنية التحتية أو الفوقية وغير ذلك من تكاليف كان بالإمكان تجنبها، وقد يتجاوز عن البعض من ذلك لظرف نادر خاص يتعلق بواقع الحال يقدره وبكل دقة خبراء تخطيط المدن ومهندسي الطرق والجسور .
أما الذي لا نفهمه ولا نقبله ويعتبر جريمة بحق اي مجتمع ان يكون توسع المدينة تجاه المناطق ذات التربة الحمراء الخصبة سهلة الزراعة ذات المردود الجيد الوفير، ونذكر كلمة سهلة لان العلم الحديث تمكن من إيجاد العديد من الطرق لزراعة اغلب المناطق ولكن بتكلفة مرتفعة وبالطبع ليست بالسهلة بالمقارنة مع غيرها من الأراضي الخصبة وخاصة أن تم زراعة الأخيرة تحت الإشراف العلمي الزراعي الحديث، لذلك لا يضحى ابدا بتوسع المدن تجاهها وخاصة إن توفر الاتجاه البديل .
لُندن مدينة جميلة وبمساحة (اقل) من مساحة مدينة عمّان وبعدد سكان قرابة (ضعفها) ، يتخللها الكثير من المناطق الاثرية والأسواق الممتدة والحدائق الكبرى المنتشرة بكل الأحياء و بالطبع هذه المناطق مستثناة من مساحة المناطق السكنية ومع ذلك استوعبت تلك المناطق قرابة (ضعف) عدد سكان مدينة عمّان، فلك عزيزي القارئ ان تتريث بقراءة هذه الفقرة لتعرف اننا الآن لسنا بحاجة لأي نمو بالمساحة لمدينة عمّان وان ما تم سابقا كان خطأ لا يمكن أن يقبل له أي تبرير وقد تم ما تم ولكن نذكر ذلك للتحذير من تكراره فالخطأ إن تكرر لا يعد خطأ انما يعد اختيار مبني على قرار وهذا ما نخشاه ونأمل ان لا يحدث أبدا .
وان كان لا بد من اي توسع فليكن عموديا بزيادة الحد الاعلى المسموح به من عدد الطوابق السكنية للجديد من البنايات ليصبح سبعة طوابق او أكثر، وسيكون لذلك الاثر الطيب لقدرة المواطن الشرائية لاقتناء شقة سكنية في المنطقة التي يرغب بها، ونعلم ان لهذا الطرح من يعارضه وذلك للحفاظ على خصوصية بعض المناطق ونحترم ذلك، ولكن لو طبق فقط على الجديد من البنايات فسيعطي جمالية لا توحي بالاكتظاظ وسيعطي جمالية ثانية من التدرج المتناسق للارتفاع العمراني .
غالبا ممن يمتلك قطعة أرض ذات تنظيم زراعي لديه رغبة بأن يدخلها بتنظيم المدينة فمن الطبيعي ان يرتفع سعرها ولكن هل نستسلم للضغوط بالاتجاه لذلك ام نُغلب المصلحة العامة على الفردية ونحافظ على ما تبقى من سلتنا الغذائية شحيحة الروافد، فأي نمو سيفضي لرغد العيش إن استمرينا بقضم هذه المنظومة الزراعية يوما بعد يوم لنحولها لكتل اسمنتية ليغدو قوت المواطن من خضروات وغيره لا يمكن الحصول عليه إلا بأعلى الأسعار .
من جانب تنظيمي آخر إن أردنا الحفاظ على الملكية الزراعية فيجب رفع الحد الأدنى للإفراز لا تقليله بحجة تقسيمه بين الشركاء أو الرغبة ببيعه بسعر أعلى من الحالي، فلا يوجد أي جدوى من زراعة المساحات الصغيرة، والتي حتما ستُهمل وسيكون مصيرها البوار، لذلك لا بد من العمل على عدم تفتيت الملكية الزراعية، وعلى العكس من ذلك يجب العمل على وضع نظام للتشجيع لتوحيدها لتصبح كلما كبرت كلما حصل مالكيها على امتيازات من دعم شبه مجاني من مواد زراعية وغيره وقد يصل الأمر إلى تقديم آليات مجانية للمساحات الكبرى وحتى منح رخص لحفر الآبار وذلك ضمن نظام خاص يضعه أهل الخبرة من المهندسين الزراعيين في القطاع العام .
وكنوع آخر لتشجيع العودة للأراضي الزراعية لاستثمارها وبالشكل المطلوب يمكن اتباع نظام جديد وقد يفهم بالبداية بنقيض مما ذكرناه لتوسع المد العمراني بإتجاه الأراضي الزراعية ولكنه بالحقيقة ليس كذلك، فبعد رفع الحد الأدنى للافراز يمكن رفع الحد الأعلى لمساحة البناء في الأراضي الزراعية بواقع بناء واحد فقط كما هو واقع الحال الآن ولكن بزيادة في المساحة المسموحة الحالية، إضافة إلى الزيادة بعدد الطوابق وبذلك نشجع أصحاب المزارع على السكن داخل ملكياتهم الزراعية والتوجه نحو الإستثمار بالزراعة وتحت اشرافهم المباشر، فلا ضير من انشاء بناء واحد فقط ومتعدد الطوابق ان كان بالنسبة التي تتناسب مع مساحة الملكية وبذلك يتوقف اي من الشركاء عن المطالبة بتفتيت هذه الملكية بحجة عدم الاستفادة منها فيمكن ان تستغل كسكن وبالمساحة الجيدة المناسبة لهم ضمن ملكياتهم التي ستبقى ضمن التنظيم الزراعي .
إن النمو يخضع لأدوات القياس بدقة عالية وله كذلك قواعد وضوابط متغيرة ولا بد من اعادة صياغتها من فترة لفترة لتتناسب مع كل مرحلة من مراحل تطور المدينة وكل ما حولها، وإن التنمية هي الطريق للوصول الى الرفاه والرخاء ولرغد العيش المنشود الذي يجب أن يُسعى إليه، ولا يمكن أن نتوهم انه بدون أي من الجد والمثابرة والإخلاص بالعمل يوما ما سيأتي هذا الرغد وحده إلينا .