الحكومة والسقوط على أدراج ملف الإعلام
عندما تم تعيينه في موقع إعلامي حكومي رفيع أكلَ صاحبنا التُّفاحة، وخرج من جنته ومهنته الأصيلة إلى مهنة المتاعب التي ذقنا من أجلها ومن أجل مهنيتنا عذابات وقلق وفقر وجوع وتشريد وتهديد وسحق في الشوارع ، وفي أولِ إنتاجٍ له أراد صاحبنا القَبضَ على الصِّحافة والاعلام بشكل عام ، واتّضحَ مِن رائحةِ التُّفاحة التي عَبَقَت في محيط دائرته الممتدة على مساحة إنفجارات تسبب بها العبث بالصاعق المهني الاعلامي والمهيأ ليتحول الى قنابل موقوتة بوجه الحكومة ، أنَّ الإعلامَ هو مَصدرُ الخراب السياسيّ في الاردن ، فقد هزَّ الوطن ودمر اقتصاده وطفش المستثمر ، وهدّدَ استقرارَ الدينار والامن الوطني ، ونَشَرَ الشائعات ضدَّ الحكومةِ من فوقِها الى " تحتِها ".
واكتشف صاحبنا بعد أكل التفاحة والمتجاوز على مهنة الاعلام أن هذا الإعلامَ يُراودُ السياسيينَ عن أَنفسِهم ويَفُضُّ شفافيتَهم ويُعرقلُ خطَّ سيرِهم الإصلاحيّ ،ولأنَّ الحكومة اكتَشفت الغُرَفَ الإعلاميةَ المُغلقةَ التي يسّرب منها الخراب بعد صناعة ماهرة للمؤامرات ، فقد بدأت حملةَ التطهيرِ والتّطويقِ وجنّدت كلَّ وزاراتها ،وما تملك من إيمان مقدرات الوطن،وكل مُتعهّدي "التسحيج والتسبيح "بحمد أداء الوزراء للانقضاضِ على المؤامرة الإعلامية ووأدِها في أرضِها.
الحكومة التي إستمعت الى اراء صاحبنا واجتهاداته نوافقها الرأي على أنّ حريةَ الإعلام لا تَعني حريةَ إطلاقِ الشائعاتِ المُغرضةِ والمؤذيةِ للوطن، قبلَ أن يترافعَ وزير إعلامها في القضيةِ ثُم يقترحُ رفعَ الغراماتِ على الصِّحافة والاعلام ووضع تعليمات تعرقل العمل وترهب أصحاب المؤسسات الاعلامية الالكترونية ،كان بإمكانها ان تعتمد على مبدأ الشفافية في محاربة أية شائعة أو تطاول على هذا المسؤول أو ذاك ،من خلال نشر الحقيقة عبر وسائل الاعلام الرسمية والخاصة ، لا أن تدفن رأسها في فرض العقوبات على الاعلام هروباً من مواجهة المجتمع، فهي لا تحتاج اية عقوبات أخرى فسلّة القوانين التي تقيّد حرية الإعلام عديدة .
إن محاولة الحكومة من خلال نصائح صاحبنا، وضع أعباء أخرى على كاهل الإعلام المنهك ، لتضاف الى قوانين تم إقرارها من قبل مجلس النواب وتخالف الدستور، يؤكد قصورالمعنيين في الحكومة عن معالجة الإشكالات والأزمات التي يعاني منها الإعلام والتي كان من المهم معالجتها عبر البحث عن حلول لهذه الازمات، لا البحث عن أزمات تضاف الى واقع الاعلام ، وخاصة الإعلام الإلكتروني الذي أثبت بغالبيته انه إعلام وطني بإمتياز ينحاز دائماً الى الوطن والدفاع عن قضاياه.
إن محاولة تلقين الإعلام الإلكترونيّ درساً في أصولِ المِهْنةِ والطلب منه معرفة كيف السبيل الى الابتعاد عن الإثارة والتشويه وغيرها من وصفات ، من خلال فرض تعليمات جديدة هو وهم لا يقل عن توهم الحكومة بأن هناك غُرَف اعلامية تقاد ضد مصلحة الوطن ، وأنّ الصِّحافةَ هي مَن تسبّبت بفشلِ الحكومات وأنَّ مَن يُغرّدُ افتراضياً قد سَرَقَ البلاد وكان مسؤولاً عن الفساد والإفساد.
إن قرار تنسيقية المواقع الالكترونية والعاملين بالإعلام المتضمن رد أو رفض المقترحات التي قدمها أول من أمس وزير الاعلام المهندس صخر دودين لنقيب الصحفيين ينال البرماوي ، يؤكد أن الاشتباك مع أسرة الاعلام سينتهي بخسارة الحكومة ،ولذلك فان المطلوب من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة التدخل فوراً ووقف العبث بالملف الاعلامي ،خاصة أن بعض وزراء حكومته قد أثبتوا أنهم هم من يشوهون أداء وصورة حكومته أمام المجتمع، فقد عودونا انهم كلما وعدونا بالخروج من الحفرة .. نقع في بئر أعمق، وما يجري عبر مواقع التواصل الاجتماعي من "ردح وقدح وذم" يقوم به الاوباش هو من مسؤولية الذين دمروا الاعلام ومؤسساته ، وهو مسؤولية الحكومات التي تعين الدخلاء على الاعلام في مناصب قيادية، وهو مسؤولية الحكومات التي أهملت هذا القطاع بحيث تحول الصحفيين والاعلاميين الملتزمين بقضايا الوطن والمهنيين الحقيقيين الى جلساء على رصيف البطالة والفقروالحرمان ، خاصة اولئك الذين تصدوا للفساد والافساد وقبضوا سابقا على سِجِل سوابقَ مِن السارقينَ والمبتزين "دخلاء الاعلام" الذين سهلت لهم الاعمال، أوتم وضعهم في مراكز حكومية متقدمة معنية بالاعلام ومنهم من لايزال على قيد المِهْنة ، لذلك فأن الحل هو أن تعترف الحكومة بأنها اخطأت في ادارة الملف الاعلامي خلال فترة ولايتها ، وهذا هو المدخل للحل بين الحكومة والاعلام وهو مقدمة لبناء تعاون، بعيدا عن وضع العراقيل أمام عمل الاعلام ،ويبقى أن اقول لرئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة ما قاله الشاعر العربي الكبير نزار قباني ( هناك صمت أنيق لا يسمح لنا بالبوح مهما كان الوجع).