رسالة نذير عبيدات التي لم تلتقطها الحكومة.. هل الحل بالعقوبات فقط؟


كتب الدكتور منذر الحوارات - 

منذ كارثة مستشفى السلط كان يفترض أن تدرك الحكومة أن الخلل لا يكمن في قرار إداري أو خطاء فني فقط إنما هي منظومة كاملة أصابها العطب والخلل ولا تحتاج فقط إلى قرارت إرتجالية لحظية لمعالجتها بل الى جهد شامل لا يقل عن ورشة وطنية تحوي الكفاءات الطبية والإدارية على مستوى البلد دون إقصاء لأي من أطراف المعادلة سواء في القطاع العام أو الخاص، وتشمل الجامعي والعسكري.

فحينما قدم وزير الصحة السابق د. نذير عبيدات استقالته كان ذلك بمثابة إلتزام أخلاقي بمسؤوليته السياسية عما حدث، طبعاً ذلك يشمل اعترافه بأنه لم ينجح في احداث تحول حقيقي على مستوى هيكل الإدارة والكوادر يُمكن القطاع الصحي من السير على الطريق الصحيح، لكن يبدو أن رسالة الرجل لم تُلتقط حكومياً بحيث تُحرِك الحكومة للتفكير جدياً بضرورة البدء بخطة شاملة وهيكلية لإصلاح ذلك القطاع، بل اكتفت الحكومة بمحاولة قطف ثمار مشاريع سابقة لترويجها على أنها إنجازات لحل المشكلة، طبعاً هذا التصرف كان خطأً فادحاً لأن مشاكل القطاع الصحي والتي يعرفها الجميع لا يمكن حلّها أو طمسها بهذه الطريقة البدائية والتي باتت واضحة للعيان، فأي مراجع لمستشفى حكومي سيكتشف فوراً أن ما قيل حقيقي أو مجرد خداع.

فحادثة الطفلتين عليهما رحمة الله بدون شك هي مأساة حقيقية مست ضمير كل أردني لكن الفاعل ألاول فيها ليس فقط الطبيب، بل هي منظومة متكاملة أصابها الترهل والتراجع بأكثر من مستوى، يتحمل المستوى السياسي المسؤولية الكبرى عنه، بينما الطبيب هو الحلقة الأخيرة فيها ولا أنكر عليه تحمل المسؤولية لكن التنطع لمحاسبته هو فقط والتوقف عند ذلك لا يعدو عن كونه فعل شعبوي لمحاولة إطفاء نار الغضب المجتمعي بالإقتصاص من الحلقة الأضعف، طبعاً هذا التصرف لن يحل مشاكل هذا القطاع بل سيفاقم مشاكله بإختصار لأنه سيشعل نار الغضب لدى فئة الأطباء والذين سيجدوا أنفسهم في كل مرة الطرف المستهدف الأول في إجراءات الحكومة، وهذا بدون شك سيضعضع تقثهم بأن الحكومة جادة في إصلاح واقع الحال، فهم الأدرى بمشاكل القطاع الصحي الحكومي وهم الأعرف بطرق الحل.

لقد قدرت لي الصدفة أن أكون بزيارة لمدير م. البشير د. عبدالمانع يوم الخميس واضطررت لإنتظاره لفترة من الزمن وعند قدومه ومساعدوه بادر معتذراً بأنه كان يعاين حادثاً في قسم الطوارئ وأقسم لي بأن كل مصاب يرافقه ما لا يقل عن عشرة مرافقين وأن القسم مكتظ بحيث لا مجال حتى لحركة الكادر لأداء مهمتهم رغم محاولات الأمن إخراج الناس من المكان، في هكذا وضع كيف يمكن لوم الطبيب إن إرتكب بعض الأخطاء او الهفوات، ففي مثل هذه البيئة من العمل يسهُل تحت وطأة الخوف والارتباك والتنمر المجتمعي على الكادر الطبي ان تُرتكب الأخطاء، وعندها لن يحُاسب إلا الكادر الطبي والإداري وطبعاً سيتغاضى الجميع عن الواقع الذي مرّ به الكادر الطبي أثناء عمله، والمشكلة الكبرى أن عملية العقوبة للكوادر تخضع لمنطق تصفوي حقيقي فالكثير من النكايات والوشايات تستدعي نفسها فوراً لتحدد طبيعة ونوع التغير القادم بما يخدم مصالحها، أعني هنا طبقة بيروقراطية عميقة متمكنة استطاعت عبر عقود أن ترسخ وجودها وتمكن نفسها من مفاصل الوزارة مما أعطاها القدرة على إجهاض أي تحرك فعلي لإعادة تأهيل هذا القطاع ووضعه على الطريق الصحيح.

لقد لجأت الحكومة الى الحل الأسهل والشعبوي لإطفاء جذوة الغضب ولكنها بذلك إرتكبت خطأً فادح لإنها أوجدت مشكلة كبيرة لن تستطيع حلها فعلياً، فماذا لو توحد الأطباء وقرروا تقديم إستقالات جماعية من وزارة الصحة فماذا عسى أن تفعل الحكومة؟ لا أعتقد انها ستجد حلولاً كثيرة، إذاً فالأجدى أن تعترف الحكومة بمسؤليتها السياسية عما حدث وبعد ذلك تتخذ أجراءات أبعد من مجرد معاقبة كادر طبي كل ذنبه أنه وقع ضحية واقع مرير فرض عليه نوعية من الأداء لا تصل للمستوى المطلوب، بعدها تشكل لجنة وطنية من كافة القطاعات ترصد الاخطاء أينما كانت وتقود بعد ذلك ورشة وطنية لإصلاح القطاع، عدا عن ذلك فإن كل الحلول لن تخرج عن إطار الترقيع الذي لا طائل منه.