عن قرار مجلس الوزراء بتمديد خدمات موظفين في القطاع العام!



كنت أعتقد أن مجلس وزراء اجتمع لحل مشكلة البطالة بعد أن ارتفع معدلها المعلن في الربع الأول 2021 بمقدار (5.7%) لتصبح النسبة (25% )مقارنة بالربع الأول من عام 2020 ، ووفق الأرقام التي أعلنتها دائرة الإحصاءات العامة، والأمر الهام والأخطر في أن نسبة( 51 % )من إجمالي المتعطلين عن العمل هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى حيث، وهذه الفئة هي فئة الشباب التي يضعها جلالة الملك على أجندته ويوجه الحكومات لها باستمرار لاسيما أن هذه الفئة هي رأس المال البشري الذي يعول عليه في بناء مستقبل الوطن.  لكن كانت المفاجأة في أن هذه ارتفاع  نسبة  البطالة  أقلت البنك الدولي والمنظمات التي تقدم مساعدات للأردن  ولم يرف لها جفن من لدن الحكومة، بينما رف لتحقيق مآرب لتلبية رغبات من يبعون ذممهم مقابل ثمن بخس ، والتئم المجلس  لتمديد خدمات الموظفين الذين بلغوا سن التقاعد من سنة إلى 5 سنوات، أو خدمة (30) عاما لمدة ثلاث سنوات، تحت ذريعة القاعدة القانونية التي تنص على أن "إعمال النص أولى من إهماله"، وربطها مع أحكام المادة 5 من نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020 المتعلقة بإشراف مجلس الوزراء على شؤون الوظيفة العامة.
 إن التفويض الذي منحه قرار مجلس الوزراء  للمرجع المختص بالتنسيب بتمديد خدمة الموظف بعد بلوغه السن القانوني سنة فسنة إلى 5 سنوات، أو (3) سنوات  ممن وصلت خدماتهم (30) عاما  تفويضا  يفتقر إلى أبجديات تفويض الصلاحيات في فقه الإدارة العامة حيث  جعل رغبة هذا المرجع المبجل هي الأساس  في التمديد ، فترك له الحبل على الغارب  حيث لم يحدد أسماء هذه الوظائف وخطورتها على المؤسسة، وإنما ترك للمرجع  الحرية في تقديرها  وتفسيرها  من حيث هل هي وظائف أساسية أو حيوية أو حرجة؟، كما  فتح الباب على مصرعيه وترك له مخرجا فضفاضا في أن يكون الموظف قد جرى إلحاقه بدورات تدريبية مهنية متخصصة وضرورية لاستدامة العمل، ولا اعرف من هو الموظف الذي لم يلتحق بدوره  لضمان استمرار العمل ، وهل الوزارات والمؤسسات أصلا تلحق موظفيها بدورات لا تمت لعملهم بصلة، وهل هذا اعترافا بأن  الترشيح للدورات  يتم بدون أسس ،كما زاد الطين بلة في أن  جعل من شروط التمديد أن يكون العمل لم ينتهي، فهل  العمل  التعليمي التربوي  مثلا  يعد من الأعمال التي يمكن أن تنتهي  بزمن لترد شرطا لتمديد؟ وهل تعد وظيفة المعلم من الوظائف الحرجة أو الأساسية أو الحيوية؟ ، فإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا يتم إحالتهم على الاستيداع والتقاعد قبل بلوغهم السن القانوني  للتقاعد و بعيدا عن  تقييم أداءاتهم أم  أن  هذه الوظائف يقررها المرجع المختص الموجه ودون  الاستناد  إلى معايير  في عملية اختيار الوظائف.
من المعروف أن وجود التشريعات تعد الأداة الرئيسة لتنفيذ أحكام الدستور وهي تختص بتنظيم الأمور ذات الأهمية، وتنظيم علاقات الدولة مع مؤسساتها، وتنظيم علاقات الدولة ومؤسساتها مع الأفراد،  كما تنظم علاقات الأفراد مع بعضهم البعض، لذا يتم إقرارها بصورة قوانين وأنظمة وأسس نافذه على الجميع ، وفي حالتنا الأردنية  ليس العيب في غياب التشريعات  لأن لدينا  تشريعات عبقرية في مجال الإدارة ، وننظر على غيرنا فيها، ولكن لأننا نعشق  التنظير  والقفز  وممارسة جميع أشكال الفساد، ومنها العبث بأنظمة الوظيفة العامة نرى  جل الأزمات والتحديات والمشكلات ، التي يعاني منها الوطن والمواطنين  تتمثل في  القفز على هذه التشريعات ،وغياب الإرادة الحقيقية في حل هذه الأزمات  والتحديات لضمان استمرارنا في أعمالنا.
 إن مثل هذه القرارات تعمق من مشكلة البطالة  وتزيد من معانة الشباب واحباطهم، وذويهم بعد أن أنفقوا كل ما يملكون من أجل تدريس أبنائهم خاصة  وأيضا في ظل  عدم وجود فرص عمل في القطاع الخاص ، أو عدم وجود خطط لدى الحكومة  لإقامة مشاريع تستهدف  تشغيل  الشباب والاستفادة من طاقاتهم بدلا من أن يكونوا  بمثابة قنبلة ستنفجر يوما ستلقى  بأثرها على الوطن، وهذا الذي لا نتمناه، كما أنها ستعمق من الفجوة الكبيرة  في  غياب العدالة وتكافؤ الفرص، فبدلا من  دراسة الأسباب التي أدت إلى  غياب الفكر الاستشرافي في تخطيط الموارد البشرية  في جميع  وزارتنا ومؤسستنا  وخاصة في مجال  تخطيط التعاقب الوظيفي ، وعدم وجود  برامج تطوير مناسبة كالتدريب، والتوجيه ، والتمكين، لتزويدهم بالمهارات والخبرات المناسبة لضمان استمرارية الأداء المؤسسي ، ووضع  خريطة طريق في مأسسة  تطوير الموارد البشرية بما فيه التعاقب الوظيفي، لجأت الحكومة إلى ترسيخ  المحسوبية والواسطة ، غياب العدالة والشفافية وتعميق ممارسات الفساد الإداري والذي هو اللبنة الأساسية في الفساد المالي، وهي تكرر نفس النهج في  فرض الضرائب والذهاب لجيب المواطن  لحل المشكلات في الموازنة العامة  .
أتمنى على  الراشدين في  الحكومة إعادة  النظر بمثل هذه القرارات التي  تشكل في ظاهرها أداة  حق  لكن أو ريد بها باطل، والتوجيه بتحديد الوظائف الحرجة المؤثرة في سير أداء المنظمة، والتي تتسبب في تعطل أداء الوزارة أو المؤسسة وسير عملياتها الرئيسية عند مغادرة شاغلها أو تركه للعمل أو شغلها بأفراد غير مناسبين لمتطلباتها،  سببوا بالترهل الموجود في مؤسساتنا ، كما عليهم  التوجيه باعتماد أسس شفافة ومعلنة  لتحديد أفضل المرشحين للتعاقب الوظيفي لشغل كل وظيفة والاعلان عنه في كل مؤسسة مع وضع آلية للمتابعة والمساءلة لضمان عدم العبث فيها ، وتوجيه الوزارات والمؤسسات لوضع خططها  في مجال التعاقب الوظيفي ومأسستها في أنظمتها البشرية حتى لا يتسبب فراغها في تعطيل سير العمل وبالتالي حدوث قصور في أداء العمل بشكل عام خاصة  أن عملية التخطيط للتعاقب الوظيفي تعد جزاء أساسيا  من  تخطيط لموارد البشرية  للمحافظة على ديمومة المؤسسة ، كما عليهم  التوجيه بالاستثمار  في استقطاب المواهب والعمل علي رعايتهم وتطوير مهاراتهم ، واتباع أحدث الطرق في تقييم الاداء والرصد والمتابعة.
      إن الشباب المحبط بسبب ارتفاع نسب البطالة، وسوء الأوضاع الاقتصادية، والعاملين في الوزارات والمؤسسات  الذين يتعرضون  إلى انتهاك حقوقهم ، والأسر التي أرهقت بسبب الضرائب وارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على الإيفاء  بالتزامات أبنائها علاوة على الفقر ، والفساد الذي طال كل جوانب الحياة ، وحتى الشعب الذي مل الحكومات وفقد الثقة فيها جراء ممارستها  يأمل  ببصيص أمل  من أصحاب القرار  بمتابعة  ومراقبة ترسيخ العدالة وفق التشريعات القانونية الناظمة للوظيفة والحياة العامة لهم حفاظا على حقوقهم وكرامتهم وليس إهانتهم أو انتهاكها والقفز عليها بقرارات  تصدر  لمصالح  شخصية وضيقة  أو إرضائية  لخدمة  أفراد أو كيانات أو مراكز النفوذ أو شراء ذمم.