في اليوم العالمي للمسنين.. دولة لا تحترم شيابها يهجرها شبابها !!
.. وفي القلب غصة تضعف عضلته ، فتضخ الدم في العروق ثقيلا بطيئا ، حزنا على وطن لا يجد كبار السن فيه ما يليق بمشيبهم، ولا يوفر لهم الخدمة التي يحتاجونها، ولا سيما الصحية ، بسرعة ويسر وسهولة ، فهم لا يحتملون طوابير الانتظار الطويل القاتل، فقد اعياهم كد السنين ،في خدمة بلدهم ، فهل يرد لهم الجميل ؟؟.
أياما معدودة ،وستشهد وسائل الاعلام سباقا محموما من مسؤولي الدولة للاعلان عن مشاركة الاردن دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للمسنين الذي يصادف في الأول من تشرين الاول كل عام .
وكالعادة ، سيطل علينا كبار المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المعنية عبر شاشات التلفزة، بكامل اناقتهم ،تتدلى ربطات العنق الحريرية من أرقى الماركات بانسياب تام على كروشهم المنفوخة للوجاهة، ليطلقوا التصريحات بأنتقاء اجزل الكلمات والعبارات المدغدقة للعواطف ، مجبولة بمشاعر المحبة والاحترام والتقدير ، ويكاد الدمع يهطل مدرارا من عيونهم .
وفي كل عام تأسرنا التصريحات ورقة الكلمات، وعمق المشاعر الانسانية، وفيض المحبة ، فنذوب فخرا وننتشي فرحا ، أن الوطن لم ينس جميل المسنين ، لنصحو عند أول محك من حلمنا الجميل، على واقع مرير يكشف كل هذا الزيف والغش والخداع مغلفا بدموع التماسيح ! .
كم اشفق عليكم ايها الكبار ، وينفطر قلبي أسى ، حين أرى تعبكم وسهركم وشقائكم يضيع هباء منثورا ، ويتبخر املكم بنهاية حياة منزوعة الألم خالية من المعاناة ويتبدد في كل موقع تراجعونه لتلقي خدمة ما في القطاع العام .
واكثر ما يؤلم القلب ويوجعه ، مشهد المسنين التائهين في اروقة المستشفيات وامام عياداتها التي تغص بالمرضى ومرافقيهم، حيث طوابير الانتظار الطويل الممل ، ولا احد يلتفت للشيب والاحافير والاخاديد والعيون الغائرة في وجوه المسنين ،فيأخذ بيدهم وينتشلهم من فوضى الزحام .
الكل من الكوادر الطبية ينظرون ويشاهدون ، ولا يبالون " المكان مكتظ ،ولا فرق بين شايب وشاب كلهم مرضى " هذا لسان حال الطبيب قبل الممرض والصيدلاني والاداري في المستشفيات العامة ، حين يصرخ الألم طالبا إعطاء أولوية المعالجة لكبير سن ترافقه في رحلة العذاب للمستشفيات .
نعم ، صحيح كلهم مرضى ، لكن هل يخفى على الطبيب ان وطأة المرض أقسى على الكبير ،وانه لا يحتمل الانتظار الطويل ؟ ثم الا يدرك الطبيب وهو اعرف من غيره ،مدى خطورة وجود كبار السن فترات طويلة بين جموع المرضى ، وان ذلك يضاعف احتمالية أخذ عدوى مرضية عموما ، وبفيروس كرونا على وجه الخصوص في ظل انتشار الوباء وتفشيه ؟؟ .
هل نطلب المستحيل ؟! كل الذي نطلبه احترام كبار السن ، واعطائهم الاولوية لدى مراجعة الدوائر والمؤسسات والوزارات وتبسيط الإجراءات وتسهيلها أمامهم، وبشكل خاص في المستشفيات والمراكز الصحية ، حتى يعودوا الى منازلهم بأسرع وقت ويرتاحوا من العناء ويشعروا بقيمتهم في المجتمع ، ولا ينتابهم احساس بأنهم مجرد فائض عن الحاجة ينبغي تصريفه بالاهمال وسوء المعاملة.
ومن لديه في المنزل مسن يعرف تماما حساسيته المفرطة تجاه اي سلوك وتصرف او مجرد حركة لا ارادية تصدر عن أفراد الأسرة، فما بالك حين يكون ذلك في مؤسسات ودوائر ومستشفيات هو بأمس الحاجة لمراجعتها لقضاء حاجة ما !!.
والحديث عن الاعداد الكبيرة من المراجعين ، والحفاظ على النظام والدور ، والمساواة بين الجميع دون تمييز ،
وغيرها من الاعذار والتبريرات واهنة ولا تصمد أمام نقاء شيبة واحدة في رأس مسن ، فكم منهم يتواجد في لحظة ومكان ما بين جموع المراجعين ؟ واحد ،اثنان، ثلاثة ؟ ماذا لو تم تقديمهم على الآخرين، هل يخترق النظام على فرض ان هنالك نظام !؟ .
يُعرف الاردن بأنه مجتمع فتي ، إذ تشير الاحصائيات الرسمية الى أن (33.05%) من السكان دون سن ( 15) عام، وبحسب التعداد العام للسكان والمساكن 2015 ، فقد بلغت نسبة كبار السن فوق 65 عاما من العمر حوالي 3.7 %، وعددهم 518.757 نسمة.
والسؤال ، ماذا لو أعطينا هؤلاء الاهتمام الكافي ، والاولوية في الحصول على الخدمة التي يحتاجونها ،عند مراجعاتهم للوزارات والمؤسسات ودوائر الدولة عموما ، وللمستشفيات والمراكز الصحية عل وجه الخصوص، لاهميتها في الحفاظ على حياتهم والعيش بأقل قدر ممكن من الألم والمعاناة ؟؟ إن فعلنا ذلك هل يفسد النظام ؟! أليس هؤلاء أجدادنا وجداتنا ، آبائنا وأمهاتنا ، وكل الجميل المتبقي في حياتنا ؟!
مجتمعنا طيب ويقدر كبار السن ويحترمهم، اما على المستوى الرسمي في المؤسسات ودوائر الدولة وفي المستشفيات والمراكز الصحية تحديدا ،فإنهم لا يجدون من ينظر اليهم بحس ومشاعر انسانية ، تحت شعار زائف مخادع ،اسمه الدور والحفاظ على النظام ، وكأن اختراق الدور من مسن عاجز مكبل بقيود السنين إحدى الكبائر في دولة النظام والقوانين فيها مخترقة من علية القوم ، واشبه ما تكون ب " مطاطة طول قصر بيدك " على مزاج مقدمي الخدمات !!
في اليوم العالمي للمسنين، مطلوب فعل حقيقي للاخذ بيدهم ومساعدتهم ومساندتهم، ومراعاة مشاعرهم، وتلبية احتياجاتهم، ليعيشوا آخر العمر والمتبقي من ايام ، بسلام وراحة وأمان ، فهم اليوم صورتنا غدا ، وينبغي ان لا تترك المسألة للامزجة فهي متقلبة ، وليكن احترام كبارنا بقانون ، فهذا حق وواجب ينبغي أن تؤديه الدولة ،وليس منة من احد .
وباختصار شديد ، الدولة التي لا تحترم شيابها ، يهجرها شبابها !!.