الجامعة الاردنية توثق تاريخا شفويا للأردن (حكايا الحسين مع الناس)
كثيرا ما تقاس ادوار المراكز العلمية والبحثية وقيمتها واهميتها بما تنجزه وتقدمه من استقراءات ونتائج لخدمة مجتمعاتها واحوالها ونظامها السياسي من حيث استقراره وتقدمه واصلاحه وانجازاته وعلاقاته وقدرته على تامين متطلبات شعبه . وقد اخذ مركز الدراسات الاستراتيجة في الجامعة الأردنية على عاتقه مشكورا مهمة جمع وحفظ وتتبع موروث جلالة الملك الحسين بن طلال وتاريخه السياسي والاجتماعي والانساني المكتوب والشفوي، من خلال الكرسي الذي تم استحداثه باسمه قبل سنوات وهو (كرسي الملك الحسين للدراسات الأردنية والدولية ) والذي تمكن خلال فترة ليست بالطويلة من تحقيق انجازات بحثية وعلمية حوله(اي الحسين ) ، جديرة بالتقدير والاحترام، لاصالتها وقيمتها وفرادتها ربما بافكار لم تطرح من قبل بشهادة مؤرخين كبار ورجالات دولة ثقات . ولم تكن تلك البحوث والمشاريع الخاصة بالحسين لتنجز وترى النور لولا السياسة التي رسمتها الجامعة عند تاسيس المركز حيث الدعم المتواصل من الجامعة رئاسة وكذلك الجهد الكبير لمركز الدراسات الاستراتيجية باداراته الحالية المنفتحة على كل المشاريع التي تصب في خدمة تاريخ الاردن وقيادته، بالاضافة لما يوليه الباحثون في الكرسي (الملك الحسين) ، ومايقدمونه للباحثين الجادين من دعم معنوي ومادي للقيام ببحوث تخدم التاريخ الأردني والهاشمي الذي نحن بامس الحاجة للبحث فيه بعد مائة عام من تاسيس الدولة الاردنية لتقييم تجربتنا
ناقش مركز الدراسات الاستراتيجية البارحة الأربعاء واطلق في جلسة أو ندوة علمية اكاديمية ثقافية دافئة بحضور رئيس الجامعة ونوابه وعددا من رجالات الدولة والوزراء والسياسيين والاكاديميين والباحثين والمثقفين والصحفيين كتابا بعنوان ( حكايا الحسين مع الناس :ملامح من خصوصية الاجتماع السياسي الأردني ). للكاتب الاستاذ احمد ابو خليل وهو صحفي وباحث في الانثروبولوجيا. تدور فكرة الكتاب حول بطلها المغفور له الحسين بن طلال، من حيث حنكته في ادارة الدولة، وانسانيته وعفويته ومحبته للناس والأردن وصورته في اذهان من تعامل معه وعرفه واحبه وقابله، ومعظمها على شكل ربما قصص او أحاديث حدثت بينه وبين ناس او افراد. وقد نجح الباحث بفضل خبرته في تسجيل التاريخ الشفوي وغير المكتوب مع الناس خلال حياتهم اليومية في جمع كل ما سمع او شوهد من الحسين من خلال شهود عيان شاهدوا وسمعوا منه وعاشوا قصصا معه تروي وطنيته وانسانيته وانجازاته وحبه لبلاده وشعبه وامته ..
تاتي قيمة مادة الكتاب واهميتها بانها سجلت واخذت من الناس بغض النظر عن مراتبهم عاديين بسطاء وربما مسؤولين رسميين وذلك خوفا عليها من النسيان ، فقد استنطقهم الباحث ليتحدثوا ويدلوا بتلك القصص والحكايات وربما الطرف التي لها معنى ودلالة وحكمة، حفظا لتاريخ الحسين وانسانيته وحنكته.ليسجل ويصبح تاريخا مكتوبا خوفا من النسيان لقيمته وعظمته .. فمن المعروف ان قصصا واحاديث كثيرة نسيت لانها لم تخط بالقلم وتناقلت وربما نسيت مع الاجيال، وهنا تاتي اهمية التاربخ الشفوي. ٠ وبهذا تبدو ملامح قصة كتابه البسيطة والهامة في الوقت نفسه بهدف جمع التاريخ الشفوي "غير الرسمي" الذي صاغه الناس (شعب الحسين ) مع الحسين ليصبح مكملا للرسمي منه.
يكشف الكتاب في ثناياه عن حب حقيقي غير مصطنع للحسين من قبل مواطنيه منذ أن اصبح ملكا. ولكنه يعرض قبل ذلك كله ما كان من قرب الامير عبدالله ( الملك المؤسس) والملك طلال من شعبه التي توارثها الحسين عنهم، فاصبحت جزءا من فهمه لطريقة ادارة الدولة، التي يجسدها على أن مهمة القائد تقوم على أن يخدم شعبه. الكتاب تحدث عن زيارات الملك للمدن الاردنية في بداية حكمه وتلمس حاجاتهم ومما أثر عنه انه كان يقول لاهل معان "بيتي في بسمان بيتكم". وتضمن الكتاب لقاءات كثيرة للملك مع اصدقائه، والتي شكل قربه من بعضهم كعلي ابو نوار وشاهر ابو شحوت درسا في نهج الحكم والذي قاده في النهاية لتعريب الجيش والخلاص من كلوب. وينفرد الكاتب بعنوان يخص علاقة الملك الحسين بشعبه عنونه ب"مع الحشود" وصف فيه كيف هرع ثلاثون الفا من المواطنين الاردنيين نحو الديوان الملكي فرحا للقائه بعد طرد كلوب وتعريب الجيش، وكيف استقبلته الحشود العظيمة في نابلس بحيث زحف ١٠٠ الف من اهل نابلس في مشهد يعتبر الأروع في تاريخ اامدينة لاستقباله فرحا وحبا . وتتكرر تلك المشاهد طوال عهده لانه "يريحك" كما وصفه كل من قابل وتعامل معه من الناس.او الاشخاص رسميون او عابرون بالصدفة.وهذا ما يرويه مؤلف الكتابةبانه حدث مع دهوك العبدان من قرية صبحا حينما ذبح ناقتين للملك وحينما قام الملك الحسين بتقديم العشاء بالصدفة لجندي الحرس الملكي عيد عبدالله القطعان.. انها سلوكيات و ابتسامات واخلاق ملك تفوق الوصف،لا تجدها إلا في حكايات الحسين مع شعبه فقط.
جاء الجزء الأول من الكتاب ليروي قصصا للملك منذ طفولته بين جيرانه واصدقائه وحتى اصبح ملكا. والثاني منه ليعرض نماذج لشهادات وتجارب شخصية مع مقربين من الملك مثل (زيد حمزة وسهل حمزة، وهاني الخصاونة وسليمان القضاة ومجحم الخريشة وشاهر ابو شحوت وضافي الجمعاني، مهنا الدرة،،عمر النابلسي، الرياضي محمد جميل عبد القادر، وضابط الحرس الملكي جهاد غرايبة وغيرهم ). ولكل منهم معه قصة وحكاية وعلاقة تعكس ما كان عليه الحسين من خلق وطيب وتسامح ولطف وبساطة وحب للأردنيين. وفي النهاية نكرر شكرنا للجامعة الأردنية ومركز الدراسات الإستراتيجية متمنين تكرار هذه التجارب التاريخية الغنية للأردن وتاريخه وقيادته ليبقى الأردن نموذجا يحتذى في كل المجالات..