حين تتشابه طقوس السياسة والتعديل الوزاري مع سحوبات أوراق اليانصيب
في طقوس ممارسة السياسة في الأردن وتحديدا تلك المتعلقة بتشكيل الوزارة وتسمية رئيسها وبقية أعضائها، أو تعديلها وتسمية الخارج منها والداخل إليها، والتي ولفرط ممارستنا لهذه الطقوس، بتنا ورغم عنصر الغرائبية الشديدة فيها، لا نرى فيها ما يثير الفضول أو السؤال ناهيك عن الشك أو التشكيك. لقد جعلنا عنصر الاعتياد في ممارسة السياسة بالشكل الذي نمارسه منذ عقود، بتنا نراها طبيعية بل وأكثر من طبيعية، بل وكأنها الشكل الوحيد الممكن لممارسة السياسة على هذه البسيطة.
في طقوس التشكيل الوزاري في الأردن، يجلس عشرة ملايين أردني يشاهدون وبات أكثرهم لا يشاهدون ولا يكترثون للأخبار التي تتواتر على مسامعهم، وهي ترشح رويدا رويدا وبالتدريج، لتقول لهم أن هناك تغييرا أو تعديلا أو تشكيلا وزاريا بات يلوح في الأفق، وفي مرحلة لاحقة يبدأون في قراءة الأخبار التي تقول لهم أن هناك من قرر أن هناك تشكيلا أو تعديلا أو إعادة تشكيل. وبعد أن يتم إبلاغهم أن هناك تشكيلا أو تعديلا تبدأ الصحافة في تسريب قوائم لأسماء يتم تداولها سواء لرئيس الحكومة القادم، او للوزراء الذي سيشتمل عليهم التعديل أو التشكيل الوزاري.
وتشتمل طقوسنا الأردنية في ممارسة السياسة والوزارة والتوزير على عنصر المفاجأة والتشويق الذي يلازم البدايات كما النهايات، كملازمة الظل لنا حين نسير في الليل. فعند الإعلان الرسمي عن أسماء الوزراء هناك دائما عنصر المفاجأة، فثمة أسماء توقعها الصحافيون وسربتها الصحافة، لم تكن بين أسماء الوزراء الذي وقع عليهم اختيار رئيس الوزراء، وهناك أسماء لم ترد ضمن قائمة التوقعات. ولكن من يوزر ويقرر أسماء الوزراء يصر على أن يفاجأ الجمهور والذي بات عدده الان يصل إلى 11 مليونا من البشر.
وفي المحصلة، فان الطقوس الأردنية في تشكيل الوزارة، او حلها، او تسمية من يقودها، أو تسمية وزرائها، أو تسمية من يخرج ومن يبقى بعد تعديلها، هي كلها تبقى من باب المفاجآت التي يصنعها طرف واحد والذي هو صاحب الحق في صنع المفاجآت على المستوى الوطني كله.
وأما في طقوس تشكيل الوزارات في الكواكب الأخرى المجاورة لكوكبنا الأردني الحبيب، فلا مفاجآت في صنع السياسة، ولا مفاجآت يصنعها شخص أو مجموعة من أشخاص. فما يجري فيها لا يندرج مطلقا في باب المفاجآت. فحركة المجتمع وقراره، هي التي تصنع السياسة، وهي من تسمي من سيكون رئيسا للحكومة ومن يكون وزيرا فيها. ولا مفاجآت على الإطلاق. وفي حركة المجتمعات لا مكان لسحوبات اليانصيب وإجراء القرعة.
في طقوس تشكيل الحكومات في كوكب اليابان وفي الغرب مثلا، تبدأ السياسة دائما على الأرض، تنشأ التحولات، وتتشكل المسارات الفكرية وىالايديولوجية نحو اليمين أو اليسار. فيمكنك أن تلحظ مثلا صعودا في حركة المجتمع نحو اليسار، أي نحو إعطاء مزيد من الدور للدولة وأذرعها في صناعة الاقتصاد والسياسة والاجتماع والأخلاق، كما يمكنك بالتالي أن تلحظ من هم الساسة الذي يرى فيهم المجتمع الفاعلين المحتملين الذي سيجسدون حلم المجتمع أو الأغلبية المتبلورة فيه، التي تريد دورا اكبر للدولة في الحياة العامة. وعليه، فحركة المجتمع التي تتكون ببطء وتلحظها الأعين، وتقراها استطلاعات الرأي، كلها تبين مسارات السياسة، كما تكشف عن اسم اللاعبين السياسيين الذين سيقودون المرحلة. فلا مكان للقرعة، أو لسحب اليانصيب أو للقرعة، وبالتالي فلا مكان لمفاجأة الجمهور بالأسماء واللاعبين الذي سيقودون ويصنعون حاضره ومستقبله في الاقتصاد كما في البيئة والصحة والتعليم.
وفي طقوس تشكيل الحكومات في الكواكب الأخرى، وبعد قراءة التحولات في الجسم الاجتماعي الكبير وتحديد مساراته يمينا أو يسارا او وسطا، تبدأ العين بملاحظة من هي الأسماء التي ستقود في المرحلة القادمة. ثم تأتي الانتخابات ودور صناديق الاقتراع لتثبت وبصورة رقمية وإحصائية صحة التحولات التي طرأت على جسد المجتمع وفيه، ليتم فرز هوية التيار الذي سيقود، ولتفرز أسماء الشخوص الذين سيقودون.
وفي طقوس تسمية اللاعبين السياسيين أو الفاعلين السياسيين في هذه المجتمعات، لا مكان أبدا لعنصر المفاجأة في اسم من يقود. فمن يقود السياسة في فرنسا مثلا هم أشخاص يعرفهم الفرنسيون على مدى عشرات السنين، وحيث يعرف الفرنسيون شخصياتهم العامة والقيادية حين تكون بعمر الشباب وهي في شبيبة الحزب ثم ترافقهم وتقرأ عن أفكارهم وهم يترشحون لترأس مجالسهم البلدية، أو حين يترشحون لعضوية البرلمان. ثم يعرفهم الفرنسيون ويراقبون أدائهم وهم يخوضون غمار العمل العام في البرلمان. وحين تتوج مسيرة بعضهم بالوزارة أو رئاسة الجمهورية أو عضوية الحكومة، يكون الفرنسيون قد عرفوا هذه الشخصية كثيرا.
في الدولة الحديثة، تفرز حركة المجتمع وتحولاتها على الأرض والتي ترقبها العين أولا بأول من سيقودون، ومن سيخرجون من السلطة. وعليه، ففي الدولة الحديثة لا مكان لشخوص قادمين من المجهول، ولا مكان للحظات من الترقب وللحظات حبس الأنفاس التي تسبق أو تعقب سحوبات اليانصيب والتي باتت تشتمل على قوائم من جاء وزيرا أو رئيسا للحكومة بعد أن كانت حفلات سحوب اليانصيب تقول لنا قوائم من فازوا بالجوائز المالية أو العينية.