عن الروايات الثلاث في حادثة مستشفى عمان الميداني: من رحم الحكومة تولد الاشاعة!



لن نمل التأكيد على الدور الحيوي الفاعل لوسائل الاعلام في دفع عجلة التنمية الشاملة قدما الى الامام لتحقيق أهدافها وغاياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية من أجل الانسان وتحقيق احتياجاته الرئيسة والحفاظ على كرامته وصونها من اي أعتداء.

لكن يبدو ان حكومة التعديل الرابع الهش لا تعترف بدور الاعلام وتدير له ظهرها لتأخذه بالاحضان في الشدائد والازمات ليحمي ظهرها ، لكنها لا تكف عن طعنه من الخلف كلما سنحت الفرصة .

وينطبق على الحكومة في تعاطيها مع الاعلام وتعاملها معه المثل " في الوجه مراه وفي القفا مذراه " والدلالة واضحة ليست بحاجة إلى تفسير فهو مثل شعبي رائج ويعرفه الجميع في الاردن وبلاد الشام .

وفي ظل جهل الحكومة بدور الإعلام ، او لنقل تجاهلها له في احسن الأحوال ، وغياب إعلامها الرسمي عموما وفي الازمات على وجه الخصوص ، تملأ الاشاعات الفراغ وتعبئه منصات التواصل الاجتماعي بأنصاف الحقائق والأخبار المفبركة ، فتلطم الحكومة وتبكي وتشتكي وتئن وجعا ، وأقول لها اذا الميه بتروب الحكومة بتوب .

نعم الحكومة لا تتعظ ولا تفيد من العبر والدروس وفي كل واقعة وحدث وازمة تمارس ذات السلوك وتلدغ من الجحر مرات ومرات ولا تتوب وتقع في الحفرة التي تحفرها لغيرها لتدفن فيها ، ولا احد يتقبل العزاء !! .

هي وحدها الحكومة ،ولا احد غيرها يتحمل وزر الاخطاء ،لا بل ما يرتكب من خطايا بحق الناس ، وما يسود من اشاعات بين ظهرانيهم يفتك في بنية المجتمع ويخلخل اركان الدولة .

ومن رحم الحكومة ، تولد الإشاعات، وفي احشاء صمتها تتكاثر وتستنسخ بمتواليات حسابية لا تنتهي ، وبيدها وحدها الحل ، ومن وحي اشعار نزار القباني ، نقول لحكومتنا الشريدة ، من بدأ المأساة ينهيها ، ومن فتح الابواب يغلقها، وإن من أشعل النيران يطفيها .

أطلت ، لكنها الضرورات تبيح المحظورات ، وبيد الحكومة قطع دابر الإشاعات، ليس بتوعد مطلقيها بالملاحقات القانونية والضرب بيد من حديد ، كما تلوح عقب كل إشاعة ، فالمسألة ابسط من ذلك بكثير ، ومفتاحها السحري ، الإفصاح الطوعي الاستباقي عن المعلومات ، والأحجام عنه واحد من أبرز الكبائر التي ترتكبها الحكومة في الشأن الاعلامي .

كثيرة خطايا الحكومة في صمتها وغيابها وتواريها وعدم مبادرتها الى الإفصاح عن المعلومات قبل تسربها وإعطاء الفرص لاعادة صياغتها وتركيبها وترتيبها لصناعة إشاعة تلبس لبوس الخبر اليقين ، ولنأخذ واقعة خزانات الاكسجين في مستشفى عمان الميداني نموذجا .

بالأمس، تسربت معلومات حول نقل عدد من المصابين بفيروس كرونا من المستشفى الى احد المستشفيات الخاصة المستأجرة من وزارة الصحة لعلاج المصابين بالفيروس ، وبدأت تنسج خيوط الاشاعة ، والحديث عن نفاذ الاكسجين واستحضار كارثة مستشفى السلط واتهام المستشفى بالانتقائية في إخلاء المرضى ، وعدم توفر أسرة بعد اشغالها بنسبة ١٠٠% ..الخ .

وفي ظل غياب وزارة الصحة في مسألة حساسة ، تعالوا نقرأ ما نشر وبث حول الواقعة :

"أكد مدير مستشفى الجاردنز الدكتور فايز أبو حميدان، في ساعة متأخرة من مساء الأحد ، أنه تم تحويل ما يقارب 40 مصابا بفيروس كورونا، من مستشفى عمّان الميداني إلى مستشفى الجاردنز، بعد نقص في مادة الأكسجين بعد تهريب من خزانات مخزنة داخلها".

محافظ العاصمة ياسر العدوان الذي غطى غياب وزير الصحة الذي يفترض ان تتم عملية النقل بأشرافه " أكد أن عملية النقل هذه جاءت كإجراء احترازي بعد "تثلج” مواسير الأكسجين " .

وبعد وقوع الفأس بالرأس ، خرج وزير الصحة الدكتور فراس الهواري برواية ثالثة مشيرا الى ان عملية نقل المرض " مبرمجة قررتها الوزارة لاجراء صيانة للأرضية التي تحمل خزانات الاوكسجين " .

ومرة اخرى نحن إزاء ثلاث روايات لقصة واحدة ، وكان بإمكان الوزارة او حتى إدارة المستشفى تجنب كل هذا التباين في الرويات الذي يعد بيئة خصبة لولادة الاشاعة وانتشارها، بإصدار بيان استباقي قبل البدء بنقل المرضى .

والبيان ليس بحاجة الى عبقرية وابداع، كأن تقول : قبيل فصل الشتاء ونظرا لاكتشاف هبوط في أرضية خزانات الاكسجين في مستشفى عمان الميداني فقد تقرر اجراء الصيانة اللازمة .. ومن أجل انجاز أعمال الصيانة بالسرعة القصوى وبما لا يؤثر على سلامة المرضى وراحتهم فقد تقرر نقل ( ٥٠ ) ممن يسمح وضعهم الصحي إلى مستشفى الجاردنز المستأجر من الوزارة لاستقبال مرضى كورونا وعلاجهم .. ويتوقع ان تستغرق عملية الصيانة عدة ايام ، متمنين الشفاء العاجل لجميع المرضى الراقدين على أسرة الشفاء .

وشخصيا أصدق الرواية الرسمية ، لكن هل سيصدقها الناس بعد تباين التصريحات وانتشار الإشاعات والاقاويل والتفسير والتاويل لما حدث ، في ظل غياب الوزارة وتواريها وصحوتها اللاحقة المتأخرة؟!.