التقاعد المبكر "الإجباري".. سيف مسلط على رقاب الموظفين



هديل الروابدة - قبل نحو العام ونصف العام أحيل ماهر العجارمة الى التقاعد المبكر من عمله في وزارة الصحة عندما وصل سن الخمسين، أي قبل عشر سنوات من السن المقرر لاستحقاقه تقاعد الشيخوخة. بسبب ذلك خسر من راتبه التقاعدي المفترض أكثر من مئة دينار إضافة إلى العلاوات والمكافآت. لقد كان "قرارا مفاجئا وظالما" كما وصفه.

"قلب موازين حياتي"

العجارمة متزوج وأب لأربعة أبناء، اثنان منهم في الجامعة. يقول :"قرار التقاعد كان صادما وقلب موازين حياتي، و أفقدني السيطرة على التزاماتي التي تشمل رسوم مدارس وجامعات، وأجرة منزل، وقروض بنكية ومصاريف أساسية. الراتب التقاعدي لا يكفي لتغطية هذه الالتزامات ولا حلول أمامي.

في الحادي والعشرين من يناير/كانون ثاني من العام الماضي 2020، أصدر مجلس الوزراء قرار الإحالة على التقاعد لمن أتم خدمتة بالوظيفة العامة 30 عاما دون سابق إنذار، وطلب تنفيذ القرار يوم 1 فبراير/شباط أي بعد 10 أيام على صدوره، قبل أن تمدد فترة التنفيذ للأول من آذار/ مارس من العام نفسه.

العجارمة واحد من حوالي 400 موظف أحيلوا إلى التقاعد المبكر، ما بين ممرضين وفنيين وصيادلة، وبحسب ماهر فإن "الحكومة السابقة نسبّت بإحالة كل من بلغت خدمتهم 30 عامًا فأكثر للتقاعد من وزارات، وهو معيار لم ينطبق على جميع المحالين للتقاعد، إضافة إلى أن معايير الاختيار بين من استوفوا الحد الأدنى للخدمة غير واضحة، إذ لم تطل قائمة الاحالات للتقاعد موظفين تجاوزوا هذا الحد، وفقاً لقول ماهر.

بدأ ماهر وبعض من زملائه المحالين على التقاعد نتيجة هذا القرار بالتواصل مع أعضاء من البرلمان، وعرضوا قضيتهم عبر بعض وسائل الإعلام، بهدف الضغط على الحكومة لإعادة النظر في قرارها. لم يستجب من أعضاء البرلمان سوى النائبة السابقة ديمة طهبوب، ورئيس اللجنة الادارية النيابية النائب السابق علي الحجاحجة.

رتب النائبان لقاء بين المحالين على التقاعد و الفريق الوزاري المكلف بإعادة هيكلة القطاع العام في حكومة عمر الرزاز، انتهى بوعود بتشكيل لجنة لدراسة حالات الإحالة على التقاعد لمن هم في سن الخمسين عاما، على أن تنهي اللجنة عملها قبل موعد تنفيذ القرار.

تعذر التراجع عن القرار، فقرر ماهر تنظيم وقفات احتجاجية رفقة زملائه المتضررين من القرار، غير أن صدور أوامر الدفاع بالإغلاق والحظر في آذار 2020 عملا بقانون الدفاع على وقع انتشار وباء كورونا (كوفيد-19) حال دون ذلك، ودخل القرار حيز التنفيذ.

ينتظر ماهر ومئات من الموظفين المتضررين من إحالتهم على التقاعد المبكر دون أسباب واضحة أو محددة، تحقيق الحكومة مطالبهم المتمثلة، بوقف اقتطاع 18٪ من المشتركين، وحذف الفقرة التي تمنع المتقاعد من العمل لمدة عامين، وشمولهم بالزيادة السنوية وعلاوة التضخم.

إذ بحسب الناطق الإعلامي السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي، موسى الصبيحي، إذا أحيل الموظف للتقاعد المبكر علىسن 45 يُخفّض ناتج معادلة احتساب الراتب بنسبة 20% واذا تقاعد على سن 46 يخفض الناتج بنسبة 18% .

كما أن المتقاعد تقاعدا مبكراً "لا يتم ربط راتبه التقاعدي بزيادة التضخم السنوية إلا عند إكماله سن الستين للذكر وسن الخامسة والخمسين للأنثى" بحسب الصبيحي.

أيضا هناك زيادة عامة بقيمة 40 دينار تضاف لكل أنواع الرواتب التقاعدية.. لكن راتب المتقاعد مبكرا يضاف إليه 20 ديناراً فقط عند تخصيص راتبه التقاعدي، ثم يأخذ العشرين دينارا الأخرى عند إكماله سن الستين.

ويضيف الصبيحي " متقاعدي المبكر غالباً لا تكون لديهم فترات اشتراك طويلة في الضمان، وبالتالي يتأثر راتبهم التقاعدي سلباً، لأنه كلما زادت مدة الاشتراك انعكس ذلك بالزيادة على راتب التقاعد".

بشكل عام بلغ عدد المتقاعدين تقاعدا مبكرا من القطاع العام 40481 حتى نهاية العام 2019، وفقاً لإحصاءات التقرير السنوي لمؤسسة الضمان الاجتماعي للعام 2019.

تقول النائبة السابقة طهبوب إنه "يجب مراجعة كل منظومة العمل و العمال والتقاعد بحيث يكون التقاعد في سن مناسبة تضمن فعالية العامل وإنتاجيته مع تقدم سنه وصحته وتراعي أعداد القوى العاملة في السوق التي تتزايد كل عام، إضافة على مراجعة الرواتب التقاعدية بحيث تصبح تؤمن للمتقاعد حياة كريمة".

سيف على رقبة الموظف

غادة عماد (اسم مستعار)، لم تسعفها (نظافة) ملفها الوظيفي والتقييم المرتفع لأدائها وكتب الشكر التي تلقتها في حمايتها من تسلط أحد الوزراء، الذي نسب بإحالتها على التقاعد لاعتراضها على بعض القرارات المخالفة للأنظمة والتعليمات، على حد تعبيرها.

ونتيجة لذلك فقد انخفض راتبها بعد التقاعد بنحو ٥٠٠ دينار. تقول" نظرا لأنني ملتزمة بتسديد أقساط قروض لا يبقى من راتبي الآن ما يكفي لتغطية تكاليف حياة كريمة. قرار احالتي على التقاعد حرمني من أحقيتي بأن أكون مساعدا للأمين العام حيث كنت أعلى الموظفين درجة ومؤهلا علميا. برأيي يجب أن تكون الإحالة على التقاعد المبكر مسببة، بحيث لا تخضع لرأي المسؤول الشخصي، الذي يتعامل مع الموظف وكأنه يعمل في مكتبه الخاص وليس في القطاع العام".

غادة لم تتمكن من الاعتراض على القرار برفع قضية لدى المحكمة الإدارية، إذ لم تستطع تحمل تكاليف توكيل محامي، بحسب قولها.

وكان رئيس لجنة العمل النيابية في مجلس النواب الحالي حسين الحراسيس أقر في شباط/فبراير الماضي، بأن التقاعد المبكر أصبح سيفا مسلطا على رقاب الموظفين دون وجود أي معيار حقيقي وواضح لتطبيقه.

من جهتها تطالب النائبة السابقة ديمة طهبوب بتضييق العمل بالتقاعد المبكر "بحيث لا يلجأ إليه إلا في ظروف محددة صحية مثلا أو بناء على طلب الموظف".

وفي هذا الإطار، قال الناطق الإعلامي السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي، موسى الصبيحي، أن قانون الخدمة المدنية الحالي يتضمن بنوداً غير عادلة، خصوصاً المادة (173/ب) مننظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020 التي تجيز للمرجع المختص للموظف إنهاء خدمة الموظف إذا كان مستكملا شروط التقاعد المبكر، بناء على طلبه أو من دون طلبه، لافتا إلى أنه طالب بإلغائها سابقاً. وتساءل " على أي أساس يحال الموظف على التقاعد المبكر دون طلبه وبلا رغبة منه؟!".

ويتفق رئيس المرصد العمالي، أحمد عوض، مع الصبيحي، في أن المشكلة الأساسية في قضية التقاعد المبكر، هي أن قرار الإحالة يتخذ من قبل صاحب العمل وليس وفقاً لرغبة الموظف أو الموظفة، لافتاً إلى وجوب تعديل القوانين والأنظمة الخاصة بها بحيث يترك القرار للعامل أو العاملة ، وخاصة في ظل صعوبة إيجاد فرص عمل لمن وصل سن الخمسين فأكثر.

خلل آخر، بحسب الصبيحي، في المادة (173/أ-1) والتي تنص على أنه "تنهى خدمة الموظف الخاضع لقانون الضمان الاجتماعي بقرار من مجلس الوزراء للموظف من الفئة العليا، وبقرار من الوزير بناءً على تنسيب الأمين العام للموظف من الفئات الأخرى إذا أكمل الستين من عمره للموظف وخمسة وخمسين للموظفة، إلا أنه يجوز تمديد خدمة الموظف سنة فسنة لمدة لا تزيد على خمس سنوات بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير، لأسباب تعود للمصلحة العامة، أما إذا كان التمديد لاستكمال مدة حصول الموظف على راتب تقاعدي فيكون ذلك بقرار من مجلس الوزراء لموظفي الفئة العليا وبقرار من الوزير بناء على تنسيب الامين العام لباقي الموظفين.

يقول الصبيحي "إن بعض الجهات الرسمية والعامة تنهي خدمة الموظف عند إكماله سن الستين، أو سن الخامسة والخمسين للموظفة، من دون التأكد من إكمالهم المدة الموجبة لاستحقاق راتب تقاعد الضمان أو ما يسمّى تقاعد الشيخوخة وهي (15) سنة اشتراك بالضمان كحد أدنى. هناك تعيينات لموظفين في القطاع العام تتم في سن متأخرة في الأربعينات من العمر وهو ما يؤكد أهمية وضرورة تمديد خدماتهم لما بعد سن التقاعد لتمكينهم من إكمال مدة الحد الأدنى من الاشتراك بالضمان".

ويلفت الصبيحي إلى "ضرورة تعديل المادة وعدم حصر التمديد بسقف الخمس سنوات فقط، بحيث يغطي التمديد سنوات الاشتراك المطلوبة مهما كان عددها لاستحقاق راتب التقاعد".

ويشترط قانون الضمان الاجتماعي معادلة حسابية للتقاعد المبكر، تحدد بلوغ المشترك سن 55 من العمر للذكر، وتوفر 252 اشتراكا فعليا، وللأنثى بلوغ 52 عاما وبعدد اشتراكات 228 اشتراكا، وفق تعديلات القانون لعام 2019.

وفيما يعتقد ماهر وغادة أن القانون يحرمهم من العمل لمدة عامين بعد إحالتهم للتقاعد المبكر، أوضح الصبيحي أن "قانون الضمان لم يحظر عودة المتقاعد مبكّراً إلى سوق العمل من جديد سواء عاد إلى عمل مشمول حُكماً بالضمان أو عمل غير مشمول، فالعمل حرية شخصية وهو حق كفله الدستور والتشريعات للمواطن. وفي حال عودته إلى سوق العمل وكان قد أكمل سن الستين بالنسبة للمتقاعد وسن الخامسة والخمسين بالنسبة للمتقاعدة، فهو يجمع بين الراتبين ( راتب المبكر و راتب العمل) دون أن ينتقص أي منهما من الآخر ولا يعود مشمولاً بالضمان".

يضيف الصبيحي:"وفي حال عودة صاحب راتب التقاعد المبكر "الأردني" إلى العمل المشمول بأحكام قانون الضمان ولم يكن قد أكمل سن الستين للذكر أو سن الخامسة والخمسين للأنثى فإن عليه إبلاغ مؤسسة الضمان بالعودة إلى العمل. ويحق له أن يجمع نسبةً من راتبه المبكر مع أجره من العمل المشمول بالضمان ضمن الشروط التالية: أولا أن تبلغ مدة انقطاعه عن العمل سنتين متصلتين على الأقل من تاريخ استحقاقه لراتب التقاعد المبكر، وثانيا أن لا يعود للعمل في أي من المنشآت التي عمل لديها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من اشتراكه (خلال 36 اشتراكاً) السابقة على استحقاقه لراتب التقاعد المبكر. وثالثا أن لا يعود للعمل بمهنة خطرة في حال كان خروجه على التقاعد المبكر بسبب مزاولته لمهنة خطرة. ورابعا أن يعود للشمول بالضمان عند عودته للعمل.

بهذا المعنى، لا يمنع القانون الموظف المحال على التقاعد المبكر من العمل بشكل مباشر، إذ بحسب الصبيحي " تتعلق القضية بالجمع بين جزء من راتب التقاعد المبكر والأجر من العمل في حال عودة الموظف المتقاعد مبكراً إلى العمل، وقد وضع القانون شروطاً لهذا الجمع من ضمنها الانقطاع عن العمل لمدة 24 شهراً من تاريخ تخصيص راتب المبكر له، فإذا عاد قبل مرور هذه المدة لا أحد يمنعه من العمل ولكن يتم إيقاف راتبه المبكر بالكامل"، ولهذا يفضل المتقاعدون مبكراً عدم خسارة راتب التقاعد في ظل ندرة فرصهم في الحصول على عمل آخر.