انتخابات ليبيا.. هل يسعى سيف الإسلام القذافي للسلطة؟
كان سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، الرئيس الليبي المخلوع، قد أثار الجدل حيث ألمح في مقابلة سابقة إلى إمكانية ترشحه لرئاسة البلاد. ليطرح الأمر سؤالا عن إمكانية قبول الليبيين بعودة أي شخص من النظام السابق للحكم.
وتسير ليبيا باتجاه تحول ديمقراطي، كثمرة لاتفاق رعاه المجتمع الدولي أنهى الحرب الأهلية التي أنهكت البلاد منذ سقوط نظام القذافي، حيث أعلن رئيس مجلس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، عماد السايح، فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في النصف الأول من نوفمبر المقبل.
ومن المتوقع أن يعلن الراغبون في الترشح للانتخابات الرئاسية، المقررة في 24 ديسمبر المقبل، عن أنفسهم خلال الأيام المقبلة. وثمة دلائل على أن بعض الشخصيات التي برزت خلال الحرب يمكن أن تشارك في هذا السباق، مثل الرجل القوي في شرق البلاد، المشير خليفة حفتر، الذي أثار الجدل أيضا لاحتمال ترشحه لرئاسة ليبيا.
"هل سيحكم ليبيا قذافي آخر؟".
سؤال طرحته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير حول الجدل إزاء إمكانية عودة سيف الإسلام غلى الحياة السياسية، حيث يقول الكاتب والمحلل السياسي، فرانسيس فوكوياما، للصحيفة: "في أي وقت تعاني فيه من هذا النوع من الحرب الأهلية المثيرة للانقسام، يبحث الناس بطبيعة الحال عن زعيم قوي".
لكن تيم إيتون، الباحث البارز في "تشاتام هاوس"، يقول إن احتمالات أن يكون هذا الزعيم هو سيف الإسلام القذافي "غير واردة إلى حد كبير".
ويتفق مع هذا الرأي، طارق مجريسي، زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي قال للصحيفة: "أعتقد أن هذا أمر مبالغ فيه بشكل كبير".
ويعتقد إيتون ومجريسي أن القذافي "يستفيد من الاعتراف به، والشعور بالحنين إلى الماضي، خاصة بين الشباب الليبي الذي لا يتذكر ديكتاتورية معمر القذافي"، إلا أنهما يشيران إلى "تحد خطير"، وهو "صعوبة مغادرته منزله (سيف الإسلام) بأمان".
ويؤكد مجريسي أن "من الصعب نوعا ما أن تكون رئيسا لدولة ما، ولا يمكنك فعل أي شيء مع الجمهور".
مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية
ويشير إيتون إلى أنه بالإضافة إلى التهديدات على حياته من قبل خصومه السياسيين، يواجه سيف الإسلام القذافي مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.
واستبعد المحلل العسكري والسياسي الليبي، عادل عبد الكافي، في تصريح لموقع "الحرة" ترشح القذافي الابن "بسبب الملاحقة القانونية على المستوى الدولي والمحلي، نظرا لأنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن ملاحقات قانونية مستمرة محليا بسبب إصداره أوامر بإطلاق النار على المحتجين الليبيين عام 2011".
لكن المحلل السياسي الليبي، محمود المهدوي، يرى أن من حق سيف الإسلام القذافي الترشح، "فقانون مجلس النواب رقم 1 الذي تم تعديله بالقانون رقم 3 يعطي له الحق في الترشح، وحتى العسكريين أنفسهم".
ويقول في تصريح لموقع "الحرة" إن "من حقه (سيف الإسلام) التقدم، وهو لديه أنصار ولديه خصوم. ولا يمكن التكهن بأن الكل يريده أو أن الكل لا يريده".
ولا يعتقد المهدوي أن المحكمة الجنائية الدولية "قادرة على منعه من خوص السابق، لكن قد تكون هناك قيود أخرى، وهي استئناف القضايا التي رفعت ضده أمام القضاء الليبي".
كانت جماعة مسلحة قد اعتقلت سيف الإسلام القذافي في الزنتان، جنوب غرب العاصمة طرابلس في نوفمبر 2011، ثم حكم عليه بالإعدام عام 2015 بعد محاكمة عاجلة.
ونظرا لأن سيف الإسلام على قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، اختفى لمدة طويلة، وبقي بعيدا عن الأنظار حتى بعد إعلان إطلاق سراحه في عام 2017.
وظل سيف الإسلام مختفيا حتى ظهوره المفاجئ، في يوليو الماضي، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، أعلن فيها عودته القريبة إلى معترك السياسة الليبية.
ومنذ تلك المقابلة، يأخذ المهتمون بالشأن الليبي طموحات القذافي السياسية على محمل الجد.
"شعبية تتآكل"
لكن عبد الكافي يعتقد أن معمر القذافي وابنه لم يعد لهما "الشعبية التي كانا يتمتعان بها إبان حكم العائلة لليبيا، وبالعكس تآكلت شعبيتهم كثيرا، وهناك قطاع كبير من الليبيين يتبرأون منهما بسبب سياستهما التي أدخلت الليبيين في نفق مظلم، وهو ما ترتب عليه الأوضاع الحالية في ليبيا".
كان عبد الكافي، قد قال في حديث سابق مع "الحرة" إن "القذافي كان يمسك بزمام الأمور في جميع النواحي السياسية الاقتصادية وحتى الاجتماعية، ولكن العديد من أبناء الشعب الليبي استطاعوا تجاوز هذا الأمر، فيما لا يزال البعض يتمسك بقواعد القذافي حتى بعد مرور ١٠ سنوات على زوال حكمه".
القذافي ترك إرثا ثقيلا في ليبيا
بعد 10 سنوات على مقتله.. هل أزاح الليبيون "إرث القذافي"؟
قبل عشر سنوات، كشف مقاتلون مناهضون للقذافي مكان اختبائه في معقله في سرت في شمال البلاد، فاعتقلوه، قبل أن يعدم في الـ20 من أكتوبر من عام 2011 ويعرض جثمانه أمام العامة.
ويؤكد المهدوي أن المنافسة في الانتخابات المقبلة ستكون بين "جميع" أفراد النخبة الليبية التي ستترشح في الانتخابات، ومن بينم حفتر الذي أبدى بشكل واضح نيته دخول السباق، عندما قام في 23 سبتمبر الماضي بـ "تجميد مؤقت" لمهامه العسكرية ونقل قيادة قواته إلى الفريق أول عبد الرزاق الناظوري
ويقول إن حفتر قام بهذه الخطوة تنفيذا للمادة 12 التي تنص على إمكان ترشح مسؤول عسكري بشرط التوقف "عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب يعود لسابق عمله".
وقال عبد الكافي إن المجموعات الموالية لنظام القذافي كانت قد دعمت حفتر وشاركت في العمليات العسكرية التي قام بها وكذلك دعمته إعلاميا وحاولت دعمه سياسيا.
لكن هذا المشروع فشل وحدث "تفتق" في العلاقة، وهناك شخصيات دعمت من قبل عميلة "الكرامة" العسكرية التي قام بها حفتر في شرق ليبيا، "أصبحت الآن توجه ضده الاتهامات وتذكره بالسوء في الإعلام، لذلك فهي لن تدعمه".
ويقول إن حفتر لايزال يراهن على بعض "المغيبين" في المنطقة الشرقية من "الأعيان وشيوخ القبائل، لكن المقاتلين الذين استخدمهم في المنطقة "يشعرون الآن بالتذمر نتيجة عدم اهتمامه بأوضاعهم"، وهناك أيضا "تآكل في شعبيته (حفتر)" نظرا للعمليات العسكرية التي قام بها "وأدت إلى سقوط ضحايا ومقابر جماعية"، و"تسهيله دخول المرتزقة البلاد"، وهناك قضايا مرفوعة ضده بارتكاب جرائم حرب في الخارج".
وتعهدت الحكومة الليبية، الخميس الماضي، في نهاية المؤتمر الدولي لدعم الاستقرار في البلاد باتخاذ التدابير اللازمة لخلق بيئة مناسبة لإجراء الانتخابات المقبلة "بشكل نزيه وشفاف وجامع".
وعاشت ليبيا في فوضى ودوامة عنف وصراعات بين القوى المتنافسة في شرق البلاد وغربها منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وتحسن الوضع نسبيا منذ بداية العام في ليبيا مع التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة رجل الأعمال، عبدالحميد الدبيبة، مهمتها إدارة الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر المقبل، ثم تتبعها البرلمانية.
وفي فبراير الماضي، حصلت حكومة الدبيبة التي اختارها ملتقى الحوار الليبي في جنيف على ثقة مجلس النواب بعد شهر واحد، في تصويت وُصف بـ "التاريخي"، وتمكنت من تسلم السلطة من الحكومتين المتنافستين آنذاك بطريقة سلسة لم تعهدها ليبيا.
لكن قبل شهر، حجب البرلمان الثقة عن الحكومة، ما أثار موجة قلق القوى الإقليمية والدولية. واعتبرت الأمم المتحدة أن الحكومة الحالية تظلّ "شرعية" وتمارس مهامها حتى إجراء الانتخابات ونقلها الحكم إلى السلطة السياسية الجديدة المنتخبة.
وعُقد في برلين، في مطلع 2019، مؤتمر دولي حول ليبيا تعهدت خلاله الدول العمل على إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا والالتزام بعدم إرسال السلاح إليها وذلك للمساعدة في وقف الحرب في هذا البلد. وتقول طرابلس إن عددا ضئيلا من المرتزقة غادر البلاد.
وفي بداية أكتوبر، اتفق وفدان عسكريان ليبيان، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب على "خطة عمل شاملة" لسحب المرتزقة، لكنهما لم يحددا أي جدول زمني لذلك.
وعلى الرغم من قيام حكومة وحدة وطنية بين الشرق والغرب، لا تزال قوات حفتر تسيطر على شرق ليبيا، بينما تسيطر مجموعات عسكرية موالية للحكومة على غربها.
الحرة -