غريبان على عتبة الدار: طلاق يستبق الزواج



ندى شحادة - 

في عام 2020 سجلت المحاكم الشرعية الأردنية نحو 2300 حالة طلاق "قبل الدخول" بنسبة 69 في المئة من إجمالي حالات الطلاق في المملكة. النسبة ارتفعت 20 في المئة عما كانت عليه في 2010، ما يطرح تساؤلات عن أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها.

سوسن خليل (اسم مستعار)، طلبت الطلاق قبل حفل زفافها بأربعة أشهر. "عُقد قراني بعد خطبتي بأسبوع واحد، فأبي رفض بشدة الخروج برفقته من دون رابط رسمي، وحين بدأنا بتجهيز بيت الزوجية وجدت أمامي إنسانا آخر يطلب مني كامل راتبي ويرفض الإنفاق من راتبه. فكرت مليا بأن الانفصال هو الحل الأمثل".

تنازلت خليل (33 عاماً) عن حقوقها المتمثلة بنصف المهر المتفق عليه، وأعادت لخطيبها كل ما دفعه مقابل موافقته على الطلاق، فكان لها ما أرادت، و"تطلقت".

الأمور المالية كانت أيضا السبب وراء طلاق (ر. س) رغم مرور أسبوع واحد فقط على خطبتها. تقول إن خطيبها طلب منها سحب قرض بعشرة الآف دينار لشراء سيارة، وإعادة الذهب الذي ألبسها إياه في حفلة الخطوبة. وحينما رفضت، هددها بالطلاق وأنها ستصبح بين الناس مطلقة والعيب فيها على حد تعبيره. من وجهة نظره "لا توجد امرأة تُطلق بعد أسبوع إلا إذا كان الخلل منها". شعرت بالاستغلال وطلبت الطلاق.

على الجانب الآخر، يتعرض الرجال في بعض الحالات للظلم كما المرأة، بحسب المحامية النظامية الشرعية غادة دراغمة. إحدى الحالات التي تابعتها كانت للشاب (ع. أ). كان قد عقد قرانه قبل ثلاثة أعوام، وطلبت منه خطيبته أن يكمل لها دراسة الماجستير كهبة منه. وبعد إنهاء دراستها طلب تحديد موعد للزفاف، لكنها رفضت وأخبرته برغبتها الانفصال نهائيا.
تقول دراغمة: "صاحب القضية لم يحالفه الحظ بإرجاع الأموال التي حولها لتأمين دراسة خطيبته، باعتبار تلك الأموال هبة، ما يعني أنه لا يستطيع المطالبة بها، وفعلا تم الإنفصال بعد أن رفعت قضية وطالبت بمهرها ".

تعددت الأسباب
يشير معهد "تضامن" النسائي الأردني إلى أن عدم وجود نص في قوانين الأحوال الشخصية النافذة على حد أدنى لسن الخطبة؛ يفتح الباب على مصراعيه أمام إستمرار حالات الزواج المبكر والقسري المفتقد للإرادة والاختيار الواعي والحر، ويشكل حرماناً للفتيات من حقهن في رسم مستقبلهن.

من أبرز أسباب الطلاق قبل الدخول من وجهة نظر المطلقات، هو سوء الاختيار يليه تدخل الأهل، بحسب دراسة أجرتها جمعية العفاف بعنوان "الطلاق قبل الدخول الأسباب والآثار النفسية والاجتماعية". لكن المحامية الشرعية ديالا الصمادي ترى أن أسباب الطلاق قبل الدخول كثيرة "ولا حصر ولا قاعدة لها"، وأضافت أن "عادات الناس مختلفة وآراءهم متباينة، وما يناسب شخصا قد لا يناسب آخر".
ويسوق المدير التنفيذي في جمعية معهد تضامن النسائي الأردني منير ادعيبس أسبابا أخرى، منها استهتار العديد من الأزواج واستسهالهم للطلاق من دون أسباب مقنعة.
ويرى أخصائي التنمية الذاتية محمود الحتاملة أن "تدخل الأهل -خاصة الوالدين- والأصدقاء يسبب شرخا في العلاقة بين الخاطبين، فالأصل عدم التدخل، ويجب حفظ الأسرار في فترة الخطبة، فكل الأطراف تنحاز لأحدهما ويصبح هناك نوع من الندية أو محاولة الحل بطريقة هجومية، فتكبر المشكلة ويصبح الطلاق أمرًا واقعا. يستطيع الخاطبان حل خلافاتهما بسهولة لو بقيت بينهما فقط".
البخل سبب آخر لتزايد حالات الطلاق قبل الدخول، بحسب الحتاملة، "حين تتيقن الخاطبة بأنها سترتبط بإنسان بخيل، وقد يكون بخيلا في العواطف والمشاعر تماما كالمال، فإنها تفضل الانفصال".
لم يغفل أخصائي الطب النفسي عبد الرحمن مزهر دور وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد حالات الطلاق قبل الدخول. بنظره أصبحت هذه المواقع المحرك الرئيسي لفئة الشباب على وجه الخصوص، وعندما يبدأ الاحتكاك الحقيقي بين الطرفين تبدأ الصفات الحقيقة للأطراف بالانكشاف، مما يسبب صدمة للطرف الآخر تؤدي إلى الانفصال. يقول إن "كثيرا من الناس يستطيعون إخفاء حقيقتهم وإظهار شيء معاكس عن الواقع بهدف جذب الطرف الاخر واستمالته، ما يؤشر إلى تأخر سن النضوج في الوقت الحاضر عما كان عليه سابقا".
أغلب "شباب اليوم" بحسب مزهر يتمتعون بتجارب غير حقيقية (تجارب العالم الافتراضي)، ويفتقدون للتجارب الحياتية الحقيقية، وبالتالي فإن سهولة تكوين عالم افتراضي خاص يسهل من عملية الاستغناء عن الشريك الحقيقي، قال مزهر.

آثار نفسية واجتماعية
حدوث الطلاق قبل دخول الشريكين بيت الزوجية يترك آثارا نفسية واجتماعية على المطلقات تحديدا بنظر الأخصائية التربوية والإجتماعية لمى الحرباوي. ترى أنهن يصبن بالإحباط والتعاسة ثم الوحدة والإنعزال والشعور بالظلم. وتضيف: "بعد الطلاق تتعرض المطلقة للتحكم من قبل الأهل في حياتها، ولهذا فإن التوعية بحسن الإختيار مهمة".
وترى منسقة برامج حماية المرأة من العنف في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة دانية الحجوج، بأن مشكلة الطلاق قبل الدخول تساهم في تغيير نظرة المجتمع للمطلقة بطريقة سلبية يمكن أن تؤثر على حياتها. وتطالب بأن تكون هناك تدريبات وبرامج توعوية للشباب والشابات بالحقوق والواجبات خاصة أن هذه البرامج توقفت منذ بدء جائحة الكورونا.
ولتجاوز الآثار السلبية لحالات الطلاق قبل الدخول تحديدا، يطالب أخصائي التنمية الذاتية محمود الحتاملة بتأخير عقد القران والاكتفاء بقراءة الفاتحة في البداية، لمراقبة وملاحظة شخصية الآخر بطريقة ذكية، ومحاولة معرفة سلبيات الشريكين ومدى تناسبهما لبعضهما.
فيما يدعو ادعيبس إلى استعادة الدور التقليدي للخطبة باعتبارها ليست عقدا للزواج، ما يفسح المجال أمام الشريكين للتعرف على بعضهما. وأضاف: "إن اتفقا يسيران نحو إتمام عقد الزواج، وإن اختلفا يعدلان عنه من دون آثار أو إلتزامات".

وبينما تواجه المطلقات قبل الدخول مشاكل نفسية واجتماعية تُصعب من ارتباطهن مجددا، تمكنت سوسن خليل من الزواج بعد 9 أشهر من انفصالها عن خطيبها الأول. كان شرطها على خطيبها الجديد ألا يعرف أحد من عائلته بزواجها الأول، وكان لها ما أرادت، وهما الآن يعيشان مع أربعة أطفال.