اعترافات سناء قموة حول سلامة الغذاء في الأردن ما بين الحقيقة والواقع !
تابعت كما تابع غيري من الأردنيين تصريحات المديرة السابقة لمختبرات الغذاء والدواء الحكومية سناء قموة عن وجود مركبات مُسرطنة في العديد من الأغذية المستهلكة في السوق المحلي الأردني .. وحذرت قموة من وجود ملوثات كيمائية خطيرة في منتجات الألبان والأجبان والأسماك والقمح والأرز والمكسرات والبقوليات على حد قولها.
اعترافها ذكرنا بالمرحوم طيب الذكر وزير الصحة السابق الدكتور عبد الرحيم ملحس رحمه الله عندما تحدث بجرأة غير معهودة في ذلك الزمن ( تسعينات القرن الماضي ) بأن غذائَنا ودوائنا فاسدين وغير آمنين.
لكن يجول في خاطري أسئلة كثيرة موجهة للحكومة : ماذا عن الخضار والورقيات والفواكه التي تُزرع على جانبي سيل الزرقاء وتُسقى من مياهه ، علماً بأن مياه السيل ملوثة وانا أعرف ذلك بحكم عملي السابق كأمين عام لسلطة المياه سابقاً .. وماذا عن الأسماك التي يتم أصطيادها من سد الملك طلال وتُباع للمواطنيين على الأرصفة بسعر رخيص دون أن يعلموا مصدرها ومكمن خطورتها الصحية ؟
فهل تستطيع الحكومة أن تؤكد لنا أن الخضار والورقيات التي تتم سقايتها من مياه سيل الزرقاء ( كالبندورة والخيار والخس والجرجير والبقدونس والكزبرة وباذنجان المقدوس والباذنجان العادي والكوسا والفجل والزهرة والنعنع ) آمنة صحياً ونستطيع تناولها وطبخها دون أية مشاكل صحية قد تترتب على استهلاكها.
فمن المُجحف جداً تحميل الحكومة الحالية المسؤولية الكاملة عما يجري من كارثة صحية وبيئية في مجرى سيل الزرقاء ، وعلى جانبيه ابتداءاً من محطة معالجة مياه الصرف الصحي بخربة السمراء وحتى سد الملك طلال.
فسيل الزرقاء قبل محطة خربة السمراء كان وما زال يستخدم بشكل عبثي وغير قانوني كمكب للنفايات الصناعية ومخلفات البناء ، وهذا يؤكد أن هناك قصور تشريعي وغياب رقابي .. وكل ما يحدث ما هو إلا تراكمات لأداء حكومات سابقة.
ويشُد انتباهك جيداً وأنت تمشي مع منعطفات سيل الزرقاء ( من محطة خربة السمراء وحتى سد الملك طلال ) ذاك العدد الكبير من مضخات المياه الثابت منها والمتحرك ، والإنتشار الكثير للبرابيش البلاستيكية من مختلف الأقطار على امتداد السيل وعلى المرتفعات المحاذية له ، التي تضخ المياه من السيل للمزارع المحاذية لمجرى السيل وإلى المزارع البعيدة أيضاً عن مجرى السيل لسقاية الخضار والورقيات وأشجار الفاكهة المتنوعة.
وهذا يعود إلى عدم التزام المزارعين بالزراعات المقيدة كالبرسيم والشعير والأعلاف والبيقيا Vetch الخاصة بالحيوانات .. فضعف الرقابة والمتابعة يغري المزارعين وشح المياه وكلفتها العالية تدفع أصحاب المزارع والأراضي لإستخدام المياه المتدفقة إلى سيل الزرقاء من محطة معالجة مياه المجاري في خربة السمراء.
فمياه السيل والمياه المعالجة من محطة خربة السمراء لا تصلح إلا للزراعات العلفية فقط ، وخطورة مياه السيل يعود لإحتواءها على عناصر ثقيلة بتراكيز منخفضة وكائنات ممرضة وملوثات أخرى .. فسيل الزرقاء تم تعرض نظامه البيئي منذ سنوات لخطرٍ كبير وأصبح مصدراً من مصادر التلوث ، وبات مطلباً مهماً إعادة تأهيله وتجريفه من كافة المزروعات المروية منه والتي لا تصلح للأكل او الطبخ لأنها سامة.
فقد اعتُبر سيل الزرقاء منذ وقت طويل واحداً من أكبر التحديات الصحية والبيئية في الأردن ، حيث فشلت كافة الحكومات السابقة في معالجته ، فقد تم تفريغه من كافة مصادر المياه الطبيعية المتدفقة إليه نتيجة الإستنزاف الجائر لحوضه المائي وللينابيع المنتشرة من حوله.
إنه ملف حساس والمشكلة قديمة ولا أحد يجرؤ على البدء في حلها وباتت تمس سمعة البلاد وأفقدت الثقة في منتجاتنا الزراعية.
والمصيبة الكبرى أن الخضار والورقيات التي تُسقى من مياه سيل الزرقاء يتم رشها بكميات عالية من المبيدات لأزالة الروائح الكريهة لقتل الحشرات الظاهرة عليها لأعطائها لوناً خاصاً وجذاباً يغري المُستهلك.
فقد أضحى الحديث عن ازماتنا بشكل عام وعن غياب مشاريع التنمية وترهل الادارة العامة وتراجع الخدمات مكرراً، وآمست عبارات الاستياء والتخبط في معالجة المشاكل توصيفات مستهلكة لواقع مأزوم.
فما زالت مؤسسات الدولة تعيش في صمت مُريب وسكون وركود ، فرغم كثرة المنح والمساعدات التي تتلقاها الحكومة من الدول المانحة والممولين فلا زلنا لا نرى خطط حقيقية لمعالجة وانهاء المعضلة البيئية والصحية الخطيرة في سيل الزرقاء وحوضه
فغياب الكفاءة في وزارتنا يُكلف الدولة حوالي ١٠٪ من إجمالي ناتجها المحلي سنوياً.