التوقيف الإداري.. انتهاك للحقوق بحجة الحفاظ على الأمن
لقاء حمالس -
عاملة منزل اندونيسية تركت حياتها في بلادها وجاءت إلى الأردن في العام 2006 بحثا عن ملاذ يؤمن لها عملا. بعد عام تزوجت وأنجبت طفلها الأول، غير أن زواجها انتهى بالطلاق، فارتبطت بشخص آخر وأنجبت منه طفلتين. المفاجأة كانت عندما اكتشفت أن زواجها في المرتين لم يكن رسميا، وأن أوراقه مزيفة وليست سوى جزء من الخداع الذي تعرضت له، ليتم توقيفها إداريا لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
عدد الموقوفين الإداريين والموقوفات في هذا العام 2021 وصل إلى (21322) شخصا، وبحسب جمعية "تمكين" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان المهتمة بمكافحة الإتجار بالبشر، وحماية حقوق العمال المهاجرين. وبلغ عدد الموقوفين إداريا منذ العام 2012 وحتى عام 2019 (350) حالة غير أردنيين، أغلبها من دول إندونيسيا، والفلبين، وبنغلاديش، ومصر، وإثيوبيا، وكينيا ، والصومال، حيث تم التعامل مع كافة هذه الحالات داخل الجمعية.
تشرح المحامية إسلام بني هاني، من جمعية "تمكين" ما تعرضت له هذه السيدة فتقول: بعد توقيف هذه العاملة الإندونيسية تنقلت بين سجني "الجديدة" و"أم اللولو" وكأنها هي الجانية وليست الضحية، وهي لا تعرف بالأصل سبب حبسها، كل ذلك فقط بناء على قرار من المتصرف بحجة الحفاظ عليها، أما الشخصين الذين خدعاها فتم تجريمهما بتهمة الاغتصاب.
وتقول ليندا كلش، رئيسة جمعية "تمكين"، بأنه لا يوجد نص قانوني يسمح بتوقيف أشخاص فيلجأون لقانون منع الجرائم"هناك إساءة استعمال السلطة من قبل الحكام الإداريين الذين يستندون في ذلك إلى قانون منع الجرائم، رغم المطالبات العديدة بإلغائه".
المحامية فاطمة الدباس، رئيسة الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، توضح أن "قانون منع الجرائم قديم ويعود إلى العام ١٩٥٤" وتقول: "منذ ذلك الوقت حدثت تطورات كثيرة على الساحة الدولية، والمحلية، ولم يعد هذا القانون يتناسب مع عصرنا الحالي. فهو يعطي صلاحيات مطلقة للحاكم الإداري وهو المحافظ أو المتصرف بتوقيف الأشخاص تحت أي شبهة أو مظنة".
وبيّنت الدباس أنه يوجد شبهة دستورية حول هذا القانون لأن الدستور ينص على الفصل بين السلطات، وهو مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، و إعطاء الحاكم الإداري هذه الصلاحيات يعد تَدخُلا من السلطة التنفيذية في صلاحيات السلطة القضائية.
وهو ما أكد عليه المستشار القانوني ومدير هيئة الإعلام الأسبق المحامي محمد قطيشات، الذي اعتبره مخالفا للدستور، ذلك أن نصوصه "تعطي صاحب القرار كافة الصلاحيات بالتوقيف أو الكفالة أو فرض الإقامة الجبرية بدون أن يكون عليه رقابة أو سلطه تحدد معيارا لقراره".
وقال قطيشات: توقيف العمال من غير الجنسيات الأردنية مخالف لكافة القوانين والمعاهدات الدولية، و صلاحية المتصرف بموجب قانون منع الجرائم محصورة بفرض الإقامة الجبرية، و ليس التوقيف، أو تقييد الحرية.
توصية بتعديل المادة (3)
تبيّن الخبيرة الحقوقية و المحامية نسرين زريقات، أن المركز الوطني لحقوق الإنسان طالب بتعديل أو حتى إلغاء قانون منع الجرائم لسنة 1954م من خلال تضمين القوانين الجزائية التدابير الوقائية للحد من الخطورة الجرمية، ومنح هذه الصلاحيات إلى المحاكم النظامية حصراً .
وتقول زريقات، التي تعمل كمفوض تعزيز في المركز، أنه أوصى بتحديد حد أعلى للكفالة المالية وعدم المبالغة بقيمة الكفالة المطلوبة لأنها تشكل عبئاً على كاهل الموقوفين وذويهم، وتشكل سببا للاستمرار في التوقيف ما يمنح للحاكم الإداري صلاحية إبقاء هذا الشخص موقوفاً لحين تنظيم هذه الكفالة. فضلا عن توصيته بضرورة تعديل نص المادة (3) من القانون، بوضع ضوابط لصلاحية فرض الإقامة الجبرية ونقل تلك الصلاحية الى السلطة القضائية ، وقصرها على وجود حالة التكرار الجرمي في مجال الاعتداء على الأشخاص وتحديدا جرائم القتل، وهتك العرض، والإيذاء البليغ، وجرائم السرقات الموصوفة(الجرائم الخطيرة ) وفي حالة التكرار أيضاً، مع الأخذ بمبدأ ملائمة الإجراء الضبطي مع الخطورة الجرمية عند فرض الإقامة الجبرية .
وأضافت أن " بسط الرقابة القضائية على قرارات التوقيف الإداري وصلاحيات الحكام الإداريين الضبطية من شأنه أن يحقق ضمانات الطعن بالقرارات الإدارية أمام المحاكم النظامية وعلى اكثر من درجة ويسهل على الأفراد تكاليف التقاضي" .
وشددت زريقات على ضرورة"كف يد الحاكم الإداري عن إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة، بحيث لا يسمح بالاستمرار بحجز الأشخاص والتحقيق معهم لمدة طويلة بالاستناد إلى مذكرات التوقيف الصادرة عن الحكام الإداريين، وضرورة إحالة المشتكى عليهم والمشتبه بهم للادعاء العام ضمن المدة المحددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحيث يصبح بذلك قرار التوقيف الاداري قابلاً للاستئناف أمام محكمة البداية المختصة بصفتها الاستئنافية" .
عدد الموقوفين الإداريين والموقوفات
عام 2021 (21322)
عام 2019 (37853)
(37683) العام 2018
(34952) عام 2017
(30138) عام 2016م،
توقيف معظم هؤلاء بعد تنفيذهم مدة العقوبة المنصوص عليها بالقانون، أو صدور قرار قضائي بإخلاء سبيلهم، وذلك بحجة المحافظة على الأمن المجتمعيّ.
المصدر: تقرير صادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان
كما تلقى المركز الوطنيّ في عام 2019م (38) شكوى وطلب مساعدة تتعلق بالتوقيف الإداري، اغلق منها (14) شكوى لتحقق نتيجة مرضية، وتبيّن عدم وجود انتهاك في حالة واحدة، وأغلقت واحدة بناءً على طلب المشتكي، و(22) ما تزال قيد النظر.
ترى زريقات أن "التوقيف إجراء خطير يؤدي إلى سلب الفرد حريته وله العديد من الانعكاسات على حياته وسلوكه" ولذلك تعود للتأكيد على ضرورة أن يكون قرار التوقيف صادر عن سلطة مختصة وهي السلطة القضائية، و"أن يحاط بضمانات قضائية تكفل عدم التعسف باستخدامه بحيث يتم إبلاغ الموقوف بأسباب توقيفه، والتهمة الموجهة له، وإحالته إلى السلطة القضائية بأسرع وقت، بالإضافة إلى حق الموقوف في طلب التعويض إذا ثبت أن توقيفه غير مشروع" .
وتلفت زريقات في المقابل إلى أن أغلب النصوص الدولية تتحدث عن الاحتجاز أو التوقيف في حالة الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ للمحافظة على أمن المجتمع، "حيث جاء في المادة (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أنه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي".
المنسق الحكومي لحقوق الإنسان نذير عواملة أوضح أن الحكومة "قامت بإعفاء العمال الوافدين من الغرامات المترتبة عليهم نتيجة التجاوزات السابقة، ومنحتهم فرصة لتصويب أوضاعهم حتى نهاية شهر أكتوبر من هذا العام 2021".
وقال إن " العامل الوافد منح عدة خيارات، فهو إما أن يبقى في البلد ويقوم بتصويب وضعه ويعفى من الغرامات ويقوم بإصدار تصريح عمل جديد، وبالتالي تجدد له الإقامة. أو إذا رغب بالمغادرة فكل ما عليه القيام به هو حجز تذكرته للسفر، حيث يختم معاملته من "الإقامة والحدود" دون أي تبعات".
وأضاف العواملة: عندما يخالف العامل قانون العمل، يقوم الحاكم الإداري بتطبيق القانون وتحويله للشرطة، واذا ثبت انه لا يملك تصريح عمل يصدر قرار بإبعاد ويعفى من كافة الغرامات المترتبة عليه.
مشيرا إلى أن " الحكومة فتحت كل الأبواب للتعاون الدبلوماسي مع كافة السفارات بهذا الخصوص ، فالسفارات قنوات دبلوماسية مسموح لها التعامل مع كافة الدوائر الحكومية لحل قضايا ومشاكل رعاياها في الأردن". وأكد العواملة أن الأردن "يحترم حقوق العمال غير الأردنيين.. وتشهد على ذلك الطريقة التي تعاملت بها السلطات مع هذه الفئة خلال جائحة كورونا، حيث تم تقديم اللقاحات لهم دون أي تمييز ضدهم أو تفضيل فئات أخرى من المجتمع الأردني عليهم".