السياسة ليست فن الممكن فقط!! (1/ 2)
تتردد مقولات وتجري كالحكمة القطعية والمادة الدستورية مع أنها بلا رصيد من البرهان والصدقية. ويتلقفها بعضهم كأنها مُسلّمة، ويستخدمها سلاحا ومَخرجا من كل ضيق، لتدور في مداها فلسفة واستراتيجيات الإصلاح والتغيير على سبيل القطع والجزم ومن خالفها جاهل سطحي بسيط.
وقد يقذفها بعضهم في وجه محاوره ليغلق الباب أمام استنهاض الهمم الفاترة والقوى الخائرة، والأنفس التي اعتادت الراحة ونسيت الحرية تماما، بل ربما لم تتعرف عليها في حياتها، فيختصر على نفسه الطريق لأنه ربما يكون من هؤلاء دون أن يشعر، ويقول لك: السياسة فن الممكن، وبالتعبير البلدي: افهم واقعد واسكت واعقل .... هذا الموجود وهذا الممكن، وهذا الملعب السياسي المقّزم العب فيه وبحدوده وبشروط أصحابه، ولو اقتصرت على دور المتفرج فيكفيك، مستندا الى الآية! رقم 6237/استغفر الله العظيم ألف ألف مرة/ التي تقول بعد اعوذ بالله من شياطين الانس والجن: (السياسة فن الممكــــــــــن).
بل ويحمل قميص فلاسفة القرن السابع عشر الأوروبية الذين أطلقوا هذه النظرية ويطلب من الذين يحاولون الخروج من النفق الاستسلام لفذلكة المتسلطين على رقاب الشعوب من قبل عدة قرون، من أجل اسكات الشعب مع إبقاء شبهة الديمقراطية فقط ليُتلهى بها في ظل سياسة فن الممكن ,وليبقى الحاكم متفردا بحكم الشعوب واستعبادها.
وبعد البحث والاستقصاء عن أصل هذه الفلسفة وعن مدلولاتها ومعانيها السياسية، والاطلاع على تفنيد العديد من السياسيين لها، وحتى لا نقع فريسة لما يُرسم لنا ويحفر من جحور ضب وإن بأشكال براقة جديدة، لزم التوقف مليا.
السياسة في اللغة من مادة ساس يسوس والسائس الذي يسوس الخيل عند العرب، فيعرف طباعها ويطعمها ويسقيها، ويروّضها كما يشاء ويعرف دقائقها وتفصيلاتها، وهي فن إدارة المجتمعات بذكاء ومهارة، وما يستلزم ذلك من وسائل متوارثة لبسط النفوذ والهيمنة عليها، ومنها الذي عبر عنه معاوية بن ابي سفيان بقوله: لو كان بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها؛ إن مدوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها.. وإنّي لا أضع سيفي حيث يكفينى سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفينى لساني.
فهي ليست متعلقة بفلسفة وآليات تحرر الشعوب من ظلم الطغاة ومن الحرمان من الديمقراطية أو تسلط الأتباع والمحاسيب على الشعوب المستضعفة انما بكيفي تعامل الحكام مع المحكومين قهرا.
ما هو مدلول الممكن؟
نعم السياسة فن من الفنون ولكنها ليست فنَّ الممكن فقط، بل هي فن التغيير والتحويل، وتحويل المستحيل الشكلي الى ممكن، وتحويل التحديات الى فرص.
إنّ من وسائل اسكات الجماهير والهائها، اختلاق أساليب تخدم المشروع المراد، وترويجها وتسويقها كأنّما هي قطعيات ومسلّمات تاريخية واجتماعية وفلسفية، ويتم تفسيرها بالطريقة التي يريدون، وتصبح ثقافة معتادة متكررة.
ما المقصود /بالممكن /بنظر هؤلاء؟ وما أبعاده؟
هل المقصود ما يمكن فعله دون ازعاج الآخر المتسلط بفردية أو منازعته او تعكير صفو تسلطه؟
ام هو عمل الميسور السهل المتاح بلا ثمن ولا قيمة تذكر؟
ام هو التقاط مجرد بقايا السنابل التي لا تعني المُزارع وتفلت من يد الحصادين , ليأخذها (اللقّاطون الفقراء) الذين لا يتقنون الزراعة ولا يملكون الأرض ولا يقْووْن على الحصيد لضعفهم وكبر سنهم وعجزهم رجالا ونساء؟
والعربية حمّالة أوجه فقد يعني المصطلح الشيء وضده في آن ، إن لم توضحه القرينة.
وهل يعني فن الممكن سوى الحالة التالية؟
مُزارعٌ لا يملك الأرض ولا المال الوفير وليكفي حاجاته لا بد ان يزرع ولكن كيف ؟ فهو محتاج للبحث عن ارض بعيدة يظن ان لا يملكها أحد، وتكون منخفضة وتحت الماء المجاني المنساب، لأنه لا يملك مالا .... وبعد الحديث الطويل عن مشروعه الجديد وتداوله ضمن العائلة والاستعداد للتنفيذ ويستنفر الصغار والكبار يغادر مبكرا ومعه ما استطاع تجهيزه لتلك الغاية، ويحشد أهل البيت دوابّهم، وبعد عمل يوم متعب في الحراثة والتجهيز يأتيه من يعنّفه وينهره، قائلا هذه الأرض لأجدادي وهي واجهة أرضنا ـ أي حتى واجهة الأرض كبرت أم صغرت له حتى لوكانت بورا متروكةـ غادر غادر بسرعة ولولا انك كبير السن لضربتك، وسأكتفي بالشكوى عليك في المحكمة وضمن القانون وسترى!! فيغادر بانتظار الشكوى التي تجرمه بالقانون!!
أخشى أنّ فن الممكن لا يتجاوز هذه الحالة ولكن بصورة مُكبّرة !!
وللحديث بقية في كلمات قادمة