ردا على رفض المقدسيين للتسوية.. الاحتلال يحرّك مشاريع استيطانية بالشيخ جراح
بينما يرقب أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بعد رفضهم مقترح "التسوية" الذي يحوّلهم إلى "مستأجرين محميين" لمدة 15 عاما عند الجمعية الاستيطانية التي تسعى إلى السيطرة على الحي، أعلنت سلطات الاحتلال تحريك مشاريع استيطانية جديدة لتدعيم وتعزيز الوجود اليهودي هناك.
وفي حين التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت وامتنعت عن التعقيب، لتجنب أي ضغط دولي أو أي صدام مع الإدارة الأميركية، دفعت حكومة نفتالي بينيت بأذرعها -ممثلة في بلدية الاحتلال في القدس والجمعيات الاستيطانية- للتصدي للعائلات المقدسية عبر دعاوى الملكية للأرض ومخططات استيطانية وتهويدية أُعدت مسبقا.
ورفضت الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" مقترح "التسوية"، وأصرّت على طلبها إخلاء 8 عائلات مقدسية منازلها على الفور. في وقت اختارت فيه بلدية الاحتلال الإعلان عن إقامة روضة للأطفال اليهود بالحي لجذب الحريديم (اليهود المتدينين)، على أن تستقبل 18 طفلا مطلع العام الدراسي المقبل سبتمبر/أيلول 2022.
تطورات ومصادرات
وفي محاولة من بلدية الاحتلال الانتقام من سكان حي الشيخ جراح، الذي يقطنه أكثر من 3 آلاف فلسطيني على مساحة أراض تقدر بألف دونم (الدونم ألف متر مربع)، أعلنت عن وضع اليد على مساحة 4700 متر مربع تعود لعائلات عودة وعبيدات ومنصور وجار الله، لإقامة حديقة عامة عليها، إلى جانب مصادرة 6 دونمات من عائلة شرف، لإقامة مشروع استيطاني وموقف للسيارات.
وفي تطور جديد، طالبت شركة يهودية أميركية بإخلاء 10 عائلات مقدسية منازلهم بزعم ملكيتها للأراضي الملاصقة لـ"خط الهدنة" -الذي تم ترسيمه عام 1949 (بعد احتلال الجزء الغربي للقدس)- وذلك من أصل 50 عائلة مقدسية تسكن المكان قبل احتلال الشيخ جراح وباقي القدس عام 1967.
ويضاف إلى مخطط التهجير والإخلاء والتطهير العرقي، عشرات العائلات التي تقطن الأحياء الملاصقة لمسجد الشيخ جراح، و28 منزلا يقطنها نحو 500 فلسطيني على جانبي شارع نابلس وطول شارع عثمان بن عفان القريبين من الحي في القدس المحتلة.
رفض إستراتيجي
وقال عضو لجنة أهالي الشيخ جراح، صالح ذياب، إن رفض عائلات الشيخ جراح التسوية وإصرارها على التمسك بالأرض والمسكن والتجذّر بالمكان موقف إستراتيجي، ويفضح مخططات الاحتلال الإسرائيلي الذي يرمي إلى تطهير الحي من الفلسطينيين وتحويلهم إلى رافعة استيطانية وتهويدية تربط بين جانبي المدينة المحتلة.
وجدّد ذياب -في حديثه للجزيرة نت- تأكيده على الموقف المبدئي لجميع عائلات حي الشيخ جراح الرافضة لأي تسوية لا تعترف بملكيتهم لمنازلهم، مشيرا إلى أن أي تسوية مقترحة من الإسرائيليين تُعد اعترافا بملكية المستوطنين للأراضي، وهو ما ترفضه العائلات المقدسية.
وأوضح عضو لجنة أهالي الحي أن القضية لا تقتصر على ملفات فردية لبعض العائلات، وإنما تستهدف أكثر من 70 عائلة مقدسية تواجه التهجير والإخلاء، حيث القضاء الإسرائيلي -الذي عرض التسوية- ليس سوى "ختم مطاطي" للجمعيات الاستيطانية التي تدعي منذ عام 1972 ملكية أراضي الشيخ جراح عبر وثائق ومستندات مزورة وتم تسجيلها في دوائر الطابو (سند التمليك العقاري) الإسرائيلية.
صراع وجود
ويعتقد ذياب أن سلطات الاحتلال تسعى -من خلال مقترحات التسوية عبر الجهاز القضائي- إلى شق وحدة الصف المقدسية وزرع بذور الفتنة لإضعاف موقف وإنجازات عائلات الشيخ جراح التي صمدت في بيوتها ووحدت الشعب الفلسطيني خلال هبّة مايو/أيار الماضي، وحازت على تضامن عالمي.
وشدد ذياب على أن حي الشيخ جراح أصبح قضية جامعة ووطنية، ويشكل نموذجا مصغرا للقضية الفلسطينية بكافة تفاصيلها وبنودها، ويعكس الصراع المتواصل على الوجود في فلسطين التاريخية، حيث يتعرض سكان الحي إلى هجمة إسرائيلية شرسة لتفريغه بالكامل من الفلسطينيين وإحلال المستوطنين مكانهم.
وأكد عضو لجنة أهالي الشيخ جراح أن أي قرار للمحكمة الإسرائيلية العليا سيكون منحازا للجمعيات الاستيطانية. إذ يهدف الاحتلال إلى إحكام سيطرته على القدس بمصادرة منازل الحي الواقعة في قلب القدس، وتعزيز الاستيطان في محيط البلدة القديمة وبلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، ضمن ما يسمى مخطط "الحوض المقدس".
مصادرة وتوسع استيطاني
يقول ذياب إن إسرائيل صادرت 3345 دونما من الأراضي بالشيخ جراح عام 1968، وحولتها إلى ما يسمى "حارس أملاك الغائبين" وأسندت ملكيتها لليهود، كما وضعت اليد على 326 قطعة أرض يملكها الفلسطينيون.
ولضمان توسيع المشروع الاستيطاني وإحكام السيطرة الإسرائيلية على شرقي وغربي القدس، يقول ذياب تم مصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين التي أقيمت فوقها 3 مستوطنات تعرف بمستوطنات "التلة الفرنسية".
وأوضح أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عمدت إلى تحويل البؤرة الاستيطانية المسمّاة "شمعون هتصديق" والمقامة وسط حي الشيخ جراح إلى شريان حيوي للاستيطان لتعزيز التواصل اليهودي مع جبل المشارف بشرقي القدس، حيث تم خلال العقود الماضية إسكان عشرات الآلاف من اليهود.
مدرسة دينية وبؤر استيطانية
ولضمان إحكام سيطرتها على الجهة الغربية من حي الشيخ جراح، تُحرك بلدية الاحتلال مخططا لإقامة مدرسة دينية ومركز تهويدي استيطاني وسط الحي بتمويل جمعية "أور سميح" الاستيطانية، وعلى مساحة 9616 مترا مربعا.
ويضم المخطط 9 طوابق ومرافق تحت الأرض تمتد على مساحة 4 دونمات صودرت بذريعة أنها "أملاك غائبين"، إضافة إلى كنيس ومدارس دينية للمستوطنين، ومركز لاعتناق الديانة اليهودية. وبالقرب منه، أقامت البلدية نصبا تذكاريا لوحدة المظليين بجيش الاحتلال، وتخطط لإقامة بؤرة استيطانية تضم نحو 500 وحدة سكنية.
وعلى أراضي عائلة شرف القريبة من الحي، تخطط إسرائيل لإقامة أبراج بارتفاع 20 طابقا للسكن والتجارة على أن يكون فيها مكاتب لبلدية الاحتلال ومقر لشرطته. وفي الجزء الغربي للحي أيضا، وفي ما يعرف بـ"كُبانية أم هارون" سيقيم الاحتلال برجا سكنيا مؤلفا من 12 طابقا.