جزيرة الملوك والمدن العامرة
من القصص الخيالية التي وردت في أحاديث الصباح، للكاتب أدهم شرقاوي القصة التالية بتصرف :
يُحكى أن مدينة كانت محاطة بسور منيع، وكان ناموس أهل تلك المدينة، أن لا يحكمهم ملك اكثر من عام واحد. فإذا أتم الملك العام في الحكم، ألبسوه ثوبا أبيض وعطّروه وحملوه على الأكتاف، وطافوا به في المدينة أمام الناس شاكرين ومودعين، ثم يرسلوه إلى جزيرة مهجورة ليمضي بها بقية عمره.
أنهى أحد الملوك فترة حكمه، وكعادتهم ألبسوه ثوبا أبيض وعطّروه وحملوه على الأكتاف، وأخذوا يطوفون بع في أنحاء المدينة قائلين : وداعا لك أيها الملك وشاكرين لك على ما قدمت. كانت تلك اللحظة من أصعب لحظات الحزن والألم، على الملك وعلى جميع من كان قبله. بعد ذلك وضعوه في سفينة نقله إلى جزيرة بعيدة، حيث سيكمل فيها بقية عمره.
وخلال عودة السفينة عائدة إلى المدينة، اكتشف ركّابها إحدى السفن التي كانت قد غرقت في مياه البحر قبل وقت قريب، وشاهدوا شابا متعلقا بقطعة من الخشب عائمة فوق سطح المياه. فأنقذوه وأخذوه إلى مدينتهم وطلبوا منه أن يكون ملكا عليهم لمدة سنة واحدة، وأخبروه بالقانون السائد في المدينة، والذي ينص بأنه عليه بعد مرور سنة على حكمه، سوف يحمل إلى تلك الجزيرة ليقضي بها بقية عمره. رفض الشاب ذلك العرض في البداية ولكنه بعد تفكير سريع وافق عليه.
وبعد ثلاثة أيام من تولي ذلك الشاب العرش طلب أن يزور الجزيرة، فرأها وقد غطتها الغابات الكثيفة، وسمع فيها أصوات حيوانات مفترسة تجوب أنحاء الجزيرة، وشاهد جثث الملوك السابقين ملقاة على الأرض.
عاد الملك الجديد إلى المدينة وجمع 100 من العمال الأقوياء، وأخذهم إلى الجزيرة، وأمرهم بتنظيف الغابة والقضاء على الوحوش المفترسة، ثم جلب المهنديبن والخبراء وأمرهم ببناء قصر ومرسى للسفن هناك. وكان الملك يزور الجزيرة مرة في الشهر، ليطمئن على سير العمل، الذي كان يتقدم بخطوات سريعة.
وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل وآمن. ومن جهة أخرى كان الملك يلبس ملابس بسيطة، وينفق القليل من المال على حياته في المدينة، ويكرّس الأموال التي وُهبت إليه في إعمار الجزيرة.
اكتملت السنة وانتهى حكم الملك، وجاء دوره لينتقل إلى الجزيرة. فالبسه الناس الثوب الأبيض المعتاد، وعطّروه وحملوه على الأكتاف ليطوفوا به في المدينة ككل الذين سبقوه. ولكن اللافت أن الملك لم يكن حزينا كبقية الملوك الذين سبقوه، بل أنه كان فطنا وعمل لمستقبله، فعمد إلى إصلاح الجزيرة التي سيقضي بها بقية عمره. كما أنه كان فرحا لأنه استراح من مواجهة مشاكل المدينة وهموم الناس التي لا حدود لها.
* * *
التعليق:
1. الملوك ورؤساء الجمهوريات في دول العالم الثالث هذه الأيام، يختلفون عن الملك الذي ورد ذكره في هذه القصة. فالملك بحسب الدستور يستمر بالحكم إلى أن يتنحى أو يُنحى أو يتوفى. ورئيس الجمهورية الذي يفترض أن يقضي عددا محدودا من السنوات في الحكم، يستمر حكمه بالقوة مقلدا حكم الملك.
ومن الملاحظ أنه عنما يجلس أي منهما على كرسي الحكم، يصبح الزعيم الملهم الذي لا بديل له، فيقوم بتعديل الدستور، ليتناسب مع طموحاته ومصالحه وتخليده في الحكم طيلة الحياة، حتى وإن كان الثمن آلاف الأرواح من المواطنين.
2. زعماء هذه الايام وإن حدثت مغادرتهم مواقعهم برضاهم أو مكرهين، فإنهم لا يذهبون إلى جزيرة مهملة ليصلحوها، بل يذهبون إلى مدن عامرة بأحدث وسائل الحياة، ليكملوا بقية حياتهم في نعيم ما جنت أيديهم خلال حكمهم.
3. البعض من أولئك الزعماء، لن يلبسوا ثيابا بيضاء معطّرة، لتودعهم شعوبهم بالشكر والثناء، بل سيلبسون ثيابا بيضاء ليس له جيوب، كي تستر عوراتهم وتأخذهم إلى النهاية المحتومة. فهل من معتبر ؟ ؟ ؟