الصورة عن قرب!

 ها هو النقاش يحتدم كما كان متوقعا حول التعديلات الدستورية المقترحة، وقانون الأحزاب، وقانون الانتخاب، المعروضة على مجلس الأمة في دورته العادية الجديدة، التي افتتحها جلالة الملك عبدالله الثاني بخطبة حددت ملامح المستقبل القريب، من خلال عملية انتقال ضمن برامج واضحة تضمن نجاح عمليات التحديث، وتحافظ على المكتسبات، وتحمي الاستقرار، مع تأكيد العزم على السير في هذا الاتجاه بمسؤولية، ودون تردد أو تأخير، لتعزيز مصادر قوة الدولة، مجتمعا ومؤسسات.
تلك نقطة محورية في غاية الأهمية تضع كل ما نحن بصدده هذه الأيام لبناء الأردن الحديث في مقارنة مع التجارب المحيطة به، وتعيد ترتيب مكونات صورة الدولة وكيانها، وفق آليات حديثة ترتبط أساسا بتفاعل المجتمع مع الفضاءات التي تتيح له التعبير عن نفسه، وعن خياراته وطموحاته، من خلال العمل الحزبي الوطني البرامجي، والاختيار السليم لممثلي الشعب في البرلمان؛ ليتحقق مفهوم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
بالتأكيد هناك إجراءات ومراحل دستورية وقانونية وسياسية، ولا نريد أن يقع أي طرف في الخطأ المجرب عدة مرات، فيتم النقاش بشكل نخبوي بعيدا عن الناس أو ما يعرف بالقواعد الشعبية؛ ذلك أن جلالة الملك نبّه في خطبة العرش على أن عملية التحديث هذه لا تقتصر على حزمة القوانين والتشريعات وحسب، بل هي عملية تطور اجتماعي وثقافي في الأساس، فلا بد هنا من توضيح الخطوط الفاصلة داخل الدائرة الواحدة، كي تعمل المنظومة بشكل سلس ومنتظم؛ فلم نعد نمتلك رفاهية التنظير على أمل التطبيق على أرض الواقع، وبالتالي فإن النقاش والحوار يجب أن يمارس على أرض الواقع، أي بين الناس؛ كي يقتنعوا بعملية التحديث تلك، ويدافعوا عنها، ويشاركوا في جميع مراحلها!
في الحوارات التي نعقدها من أجل تهيئة البيئة السياسية للممارسة الحزبية القادمة، هناك آراء ومواقف مبنيّة على انطباعات لها ما يسوّغها، ولكن ليس لها ما يجعلها غير قابلة للتغيير، إذا كان المسؤولون عن هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الدولة يرون الصورة عن قرب، بقدر قربهم من المجتمع، كونه محور عمليات الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والإداري، والاجتماعي.
نحن نسمع ونرى ونقرأ كل يوم تلك التجاذبات والآراء الفردية حول مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي هي الآن بين يدي مجلس النواب، وبشكل خاص حول إنشاء مجلس الأمن الوطني، وكلها تحولات على درجة عالية من الأهمية، يجب أن تُشرح موجباتها وحيثياتها بأبعادها المختلفة، وتُفهم غاياتها ومقاصدها، ولا تُترك هكذا على الغارب يخوض فيها الخائضون على أهوائهم فتتسع مساحة الريبة والشك، وتُشوّه الصورة في الأذهان، وتختلط الأوراق، ويَحار الفهم، في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها إلى الوضوح، وضوح الرؤية، والصورة، والموقف، ومستقبل الأيام!