فلسطينيو القدس.. إجراءات إسرائيلية تستهدف ترحيلهم من منازلهم

 


تزوجت أسماء الغوج، بمنزل عائلة زوجها في بلدة الطور بالقدس الشرقية المحتلة، على أمل أن تدخر معه ما يمكنهما من الانتقال إلى منزلهما الخاص، لكنها تخشى الآن خسارة المنزل الذي تقيم فيه.

وتعيش الغوج (24 عاما) مع العائلة المكونة من 10 أفراد، بمن فيهم طفليها، في شقة بالطابق الأول من بناية مكونة من 5 طوابق تضم 10 شقق هي مسكن 10عائلات فلسطينية.

قبل أكثر من شهر تلقت العائلات إنذارا من البلدية الإسرائيلية بمدينة القدس بهدم البناية في غضون أسبوع، وجرى تمديد المهلة حتى التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل بعد تدخل محامين.

الذريعة التي ساقتها البلدية لهدم البناية هي "عدم الحصول على رخصة بناء” يقول الفلسطينيون إنها لا تصدر إلا نادرًا، ضمن سياسية إسرائيلية تهدف إلى الحد من أعداد الفلسطينيين بالقدس الشرقية.

تقول الغوج للأناضول، من أمام البناية المهددة بالهدم: "دخلت هذا البيت عروسًا قبل 5 سنوات وسكنت في غرفة بمنزل أهل زوجي، وأنا الآن أم للطفلين عماد عمره 4 سنوات، وينال عمره 3 سنوات”.

وتضيف: "سكنت البيت على أمل الانتقال إلى بيتنا الخاص بعد ادخار بعض المال، ولكن مع تراكم الضرائب والمخالفات لم نتمكن من ادخار أي أموال، إلى حد أنني اضطررت لبيع مصاغي حتى نسدد هذه المخالفات وبالتالي أصبحنا على الحديدة (إشارة للإفلاس)”.

وتتابع: "مع ذلك كنا نقول إن البيت باق وسنعيد الكرة وسنحاول ادخار الأموال مجددا للانتقال إلى بيتنا، ولكن الآن حتى البيت الذي كنا نخطط للخروج منه بات مهددا، فكيف سنتمكن من الادخار”.

وصعدت البلدية الإسرائيلية في القدس بالسنوات الأخيرة من هدم المنازل الفلسطينية، ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا” في تقرير حصلت الأناضول على نسخة منه، إنه منذ بداية العام الحالي وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، هدمت البلدية الإسرائيلية 137 مبنى بالقدس الشرقية بزعم "البناء غير المرخص”.

** أزمة سكانية خانقة

ويواجه الكثيرون من سكان القدس الشرقية البالغ عددهم نحو 350 ألفا أزمة سكانية خانقة، يقول الفلسطينيون ومؤسسات حقوقية إسرائيلية ودولية إنها ناتجة عن السياسة الإسرائيلية المطبقة بالمدينة منذ الاحتلال عام 1967.

وتبلغ قيمة الشقة بمساحة 100 متر مربع نحو 450 ألف دولار، فيما يبلغ الإيجار الشهري للشقة بنفس المساحة ما بين 3500 إلى أكثر من 5000 شيكل إسرائيلي (حوالي 1500 دولار).

بعد تسلم العائلات قرارات الهدم، بدأت الغوج وزوجها بالبحث عن شقة لاستئجارها.

وقالت: "لم أتخيل أن الإيجارات مرتفعة جدًا، فعندما سلمونا قرار الهدم قررنا أن نبحث عن بيت آخر، وقد بحثنا على منزل قريب داخل القدس، نحن نحب المدينة فنحن تربينا فيها ونريد البقاء فيها”.

واستدركت: "ولكن للأسف تبين أن هذا الأمر مستحيلًا، فالإيجارات مرتفعة جدا”.

كانت صدمة الغوج كبيرة عندما وصل شرطي إسرائيلي إلى المنزل (قبل حوالي شهر) وطلب من السكان مغادرة منازلهم.

وأوضحت: "كانت هناك مخالفات وإجراءات وطلبات ترخيص منذ بداية وصولي إلى المنزل، ولكن قبل شهر كنت بالبيت حينما طرق شرطي إسرائيلي باب المنزل وسألني لماذا ما زلتم بالبيت؟ وطلب تفريغه”.

الإنذار الإسرائيلي تضمن تهديدا بفرض غرامة عالية على العائلات في حال لم تهدم منازلها ذاتيًا.

ترفض الغوج حتى التفكير في الهدم الذاتي الذي يرى فيه الكثير من الفلسطينيين محاولة إسرائيلية للتهرب من صور جرافات إسرائيلية وهي تهدم منازل فلسطينية.

وقالت الغوج: "هل يقتل الشخص ابنه؟ هل هناك من يدمر تعبه بيده؟ تم بناء البيت حجر على حجر وفي نهاية الأمر يريدوننا أن نلقيه في الهواء”.

وأضافت: "البيت ليس فخما وإنما يسترنا فقط، وحتى هذا البيت الذي يسترنا الذي يبقينا على أرضنا يريدون أخذه منا”.

** قلق وخوف

تجد الغوج صعوبة في شرح ما يجري لأطفالها، قائلةً: "تأثيره على أولادي كبير جدا، أنا أخشى اللحظة التي يأتون فيها إلى البيت ويطلبون فيها منا المغادرة لهدم المنزل، نحن لن نهدمه بأيدينا”.

وأردفت: "ابني الكبير لا ينام ويقول لي كل يوم: يا أمي أنا خائف أن يهدموا البيت ونحن نيام، أرد عليه بألا يخاف، وأنهم إذا ما جاؤوا فإننا سنخرج قبل الهدم، أما ابني الثاني فيقول لي سنعيش بالخيمة”.

وتابعت: "أنا كأم، أعرف أولادي جيدا، حالتهم النفسية صعبة جدا وإذا ما كنا كأشخاص كبار لا نتحمل فكيف سيتحملون هم!”.

وذكرت السيدة المقدسية: "لا يريدوننا في القدس، يريدون المدينة لهم وحدهم ولكن هذا من المستحيل أن يحدث”.

وتتساءل قائلة: "بما أن حجتهم (الإسرائيليين) الترخيص فأين المسؤولين عنا كفلسطينيين هنا؟ لماذا لا يبنون لنا المنازل مع تراخيص ويتابعون أمورنا، لا نريد أي شيء مجانا ولكن أن يبيعوها لنا بقدرتنا”.

الآن تعيش الغوج وعائلتها في حالة من الخوف مع قرب التاسع من ديسمبر/كانون الأول المقبل، مشيرةً أن "هذا التاريخ يعني لي الخوف والرعب الحقيقي، قد لا أخاف من هذه الأمور لكنني أخاف على أولادي كثيرا”.

وأضافت: "إنهم أطفال كيف سيتحملون هذا الأمر نفسيا، حالتهم النفسية صعبة جدا فكيف سيحتملون رؤية المنزل وهو يهدم أمامهم”.

** مصير مجهول

في ذات المنزل تتواجد رانيا الغوج (45 عاما)، وهي والدة زوج أسماء وتسكن البناء منذ 11 عاما.

وقالت للأناضول: "عندما اشترينا البناء كان هيكلا اسمنتيا، وقمنا باستكماله، وكنا نشعر بسعادة بالغة بأننا نتمّلك منزلا في القدس فمن الصعب تملك منزل في المدينة لأن الأسعار فيها باهظة الثمن”.

وأضافت رانيا: "قمنا ببناء الجدران والغرف وبتأثيثه وأقمنا فيه، وبعد ذلك بدأنا بالتقدم للترخيص ولاحقتنا حكومة الاحتلال بالضرائب والغرامات بمبالغ كبيرة”.

وأشارت، وهي تتحدث داخل منزلها الذي بدا شبه خال من الأثاث: "قبل شهر جاؤوا وألصقوا أمرا بإخلاء البناية خلال أسبوع بسبب قرار بالهدم”.

وتساءلت السيدة: "أين سنذهب؟ لا مكان لنا إلا هذا المنزل، فقد اشتريناه نتيجة ادخار 25 سنة، والآن يطالبوننا بتفريغه من أجل هدمه أين سنذهب؟!”.

واستطردت: "هدم المنزل سيحولنا إلى منكوبين في وقت لا زلنا ندفع فيه الضرائب والغرامات على منزل تم رفض ترخيصه”.

ولفتت الغوج إلى أنهم "طلبوا (السلطات الإسرائيلية) منا أن نهدمه ذاتيا ولكننا نرفض، لا يمكن أن نهدمه بأيدينا، فإذا ما أرادوا هدمه ليهدموه، ولكن نحن لن نهدمه ذاتيا”.

وتابعت بحرقة: "25 عاما حتى تمكنّا من تملك وبناء بيت، والآن يريدون منا أن نهدمه، لا يمكن”.

وأوضحت: "هددونا بأنه في حال عدم هدمه ذاتيا حتى 9 ديسمبر فإن الحكومة الإسرائيلية ستغرمنا 2 مليون شيكل بواقع 200 ألف على كل عائلة، وقد قررنا جماعيا بأنه لا يمكن أن نهدمه ذاتيا”.

وذكرت السيدة المقدسية: "نحن 10 عائلات لها حوالي 25 طفلا و40 شخصا بينهم كبار سن ومرضى ونساء في المبنى المكون من 5 طوابق”.

وترى أن "البيت يعني لنا الكثير، وبناتي تخرجن من الجامعات من المنزل، حياتنا كلها هنا، لقد عشنا هنا، وكل بلاطة وحجر فيه يعني لنا الكثير ويعز علينا”.

وتستذكر الغوج دخول المنزل لأول مرة قبل 11 عاما وتقول: "نحن 10 عائلات بدأنا من الصفر ويريدون إعادتنا إلى الصفر”.