ليس بعد!
هل نحن في سباق مع الزمن كي نحقق هدفا محددا واضح المعالم؟ أم أننا في حالة مواجهة قاسية مع مشكلات وتحديات داخلية وخارجية؟ أم أننا في حالة مخاض للتحضير والتهيئة لمرحلة جديدة من مسيرة الدولة، تعتمد أساسا على تحديث المنظومة السياسية، من خلال العمل الحزبي والبرلماني، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وصولا إلى وضع قواعد سليمة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والإداري؟
قد يقول قائل ربما نحن في حالة غموض وحيرة أمام هذه التحديات مجتمعة، وأن أحكامنا المسبقة على كل شيء تجعلنا واقفين في المساحة الضيقة ذاتها، التي تشكل في حد ذاتها أزمة مركبة معقدة لا ينتج عنها سوى الريبة والشك والإحباط المعنوي، فهل من المعقول أن نقرّ لفترة طويلة من الزمن بأن مسيرتنا الديمقراطية لن تتقدم إلى الأمام خطوة واحدة دون وجود أحزاب برامجية فاعلة، وانتخابات برلمانية وفق قانون انتخاب عصري، وما أن نبدأ خطواتنا الأولى في هذا الاتجاه حتى نتجرّد مما كنا نعتقد أنه الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى الأمام في تلك المسيرة بكل ما فيها من مشقة وعناء ؟!
مرة أخرى، من حق الجميع أن يُبدوا آراءهم، ويعبروا عن مواقفهم، ووجهات نظرهم، فاحترام الرأي والرأي الآخر هو أساس الديمقراطية التي نتحدث عنها، ولكن أجواء الحوار والنقاش لا بد أن تقوم على قاعدة من التوافق على صون مصالح الدولة ومواطنيها، ومستقبل الأجيال القادمة، وجمع الكلمة حين يتعلق الأمر بأي نوع من التهديدات والضغوط الخارجية، أو أي مساس بقيمة الدولة وقوتها في التعامل مع المعادلات والتوازنات الإقليمية والدولية، وإلا فإننا نصبح نقطة الضعف الأسوأ أمام تلك الضغوط، بدل أن نبني موقفنا القوي في مواجهتها أو تحمّلها.
لسنا جاهزين بعد لتشكيل الأغلبية المستعدة للانخراط في مسيرة العمل الحزبي الذي يُعدّ بمثابة الحواضن للفكر السياسي الحصيف، الذي ينظم الآراء والمواقف بناء على الحقائق والإمكانات، والقراءة الموضوعية للواقع المَعيش، ووضوح الرؤية للمستقبل القريب والبعيد، ومن المؤكد أن الذين يعملون اليوم على تشكيل أحزاب برامجية جديدة يتحملون مسؤولية وطنية ثقيلة ومتعِبة، ويحملون على عاتقهم مهمة تشكيل القناعات بجدوى العمل الحزبي على نطاق واسع، مدركين أهمية ذلك في إيجاد لغة سياسية لائقة، وبيئة سياسية قادرة على إحداث التغيير المنشود.
نعم ليس بعد؛ فنحن في أول الطريق، وحتى عندما يتم تحقيق الشروط اللازمة لتشكيل أحزاب جديدة مرخصة، أو إعادة تنظيم أحزاب قديمة؛ فذلك لا يعني أبدا أنها أصبحت جاهزة بين عشيّة وضحاها لتخوض غمار الحياة السياسية، وصولا إلى البرلمان، وتشكيل حكومات برلمانية، وغير ذلك مما يمكن أن يحدث في المدى المتوسط، ذلك أنها تتشكل في ظروف معقدة، ناجمة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، وما يرتبط بها أو ينعكس منها على أزمات فرعية أخرى!
بالتأكيد يتوجب على تلك الأحزاب أن تعمل بعزيمة قوية كي تصل إلى الناس، إقناعا وتنظيما، وحيوية فاعلة على الأرض؛ ذلك أن القواعد الشعبية هي التي تعطي القيمة الحقيقية للأحزاب، وهي التي تضع برامجها، وتختار قياداتها المعبرة عن مواقفها وطموحاتها.