اسلوب تعيين الوزراء في الحكومات الاردنية



سُئل رئيس وزراء أردني سابق، عن أسلوب تعيين الوزراء في الحكومات الأردنية، فأجاب : بأنه عندما يُكلف الرئيس بتشكيل حكومة، يقوم باختيار الأشخاص الذين يعرفهم ويثق بهم، ومن بينهم بعض الأشخاص الذين لهم تأثير في عشائرهم أو مجتمعاتهم. وقد يستعين أيضا ببعض أصدقائه، لتسمية منسبين آخرين لكي يكمل عدد الطاقم الوزاري المطلوب.

ولكن هذا الأسلوب تطور حاليا، بحيث يشارك في اختيار الوزراء أربع شبكات هي: شبكة الحكومة الخفية، والتي تنسب أعضاء الوزارات السيادية. شبكة الأصدقاء وزملاء الدراسة المقربين، شبكة الروابط النسائية من أصهار وغيرهم، وشبكة المصالح التجارية ودعوات الولائم والسهرات الليلية، لكي يصل عددهم أكثر من عدد وزراء الدول العظمى. ومن أهم المواصفات التي يجب أن تتوفر في هؤلاء الوزراء، أنهم لا يعرفون كلمة "لا" وينتظرون التوجيه من رؤسائهم، في تسيير أعمالهم المختلفة.

لا يوجد في الدولة الأردنية قاعدة بيانات موثّقة، يمكن الرجوع إليها، لاختيار شخصيات معروفة بكفاءتها وخبرتها وانتمائها لتراب الوطن. ولهذا فمن السهل أن يصبح أي شخص من المواطنين، وزيرا في الحكومات الأردنية سواء كان ذكرا أم أنثى، بغض النظر عن مؤهلاته وقدراته، اعتمادا على الحظ وحسن الطالع. ولهذا يظهر فشل بعضهم في ممارسة مهامهم من بواكير أعمالهم.

 
وهنا يبدأ مسلسل التعديلات، لإصلاح الأخطاء التي جرت في اختيارهم وإدخال وزراء جدد، قد يكونوا أسوأ من سابقيهم. وقد لاحظنا كيف أجرت هذه الحكومة، أربع تعديلات على طاقمها الوزاري خلال سنة واحدة، مستخدمة ما يقارب 50 وزيرا. فكيف يمكن لمثل هذه الحكومة أو مثيلاتها، أن تنجز عملا لصالح الوطن والمواطنين ؟

ومن الأمثلة على التعيين الخاطئ، أن جرى تعيين شخص في إحدى الوزارات السابقة، دون التدقيق في ملفة الشخصي، وبعد إعلان اسمه تبين أن عليه مانعا أمنيا، فأقيل بعد 24 ساعة. وفي حادثة أخرى، تقدم أحد الأشخاص لوظيفة في إحدى الوزارات، وبعد مقابلته تم رفض طلبه لعدم ملائمته للوظيفة. وحدث لاحقا أن جرى تعيين ذلك الشخص وزيرا في نفس الوزارة، التي رفضت قبوله كموظف بسيط.

من المعروف في دول العالم المتحضّر، أن يجري انتخاب الوزراء من بين أعضاء الحزب الحاكم، المعروفين بكفاءتهم وخبرتهم. أما الوزراء المنسبين لوزارات سيادية، ورؤسار هيئات أركان القوات المسلحة، وروساء المؤسسات والأجهزة الأمنية، فبعد اختيارهم أوليا، يخضعون لجلسة استماع أمام لجنة من الكونجرس كل على حدة، تذاع على شبكات التلفاز أمام المواطنين، حيث توجه إليهم اسئلة معينة، للتأكد من ملائمتهم للعمل المنسبين إليه، وتقديم التوصية بالموافقة عليهم أو عدمها.

وفي هذا السياق، فقد عَين الرئيس ريغان في أوائل الثمانينات الماضية، الجنرال إالكسندر هيج وزيرا للخارجية في إدارته. وكان الجنرال هيج قد أشغل قبل ذلك وظيفة معاون عسكري، لمستشار الأمن القومي هنري كيسنجر في عهد الرئيس السابق نيكسون، ثم قائدا عاما لحلف الناتو من 1974 - 1979. وفي أحدى المناسبات سأل أحد الصحفيين هيج :

ماذا كان أسهل عليك، أن تكون جنرالا في القوات المسلحة، أم وزيرا في الإدارة الأمريكية ؟ فأجاب : عندما أصبحت جنرالا في القوات المسلحة، دفعت من عمري 35 عاما تخللتها المعاناة والحروب، وعندما أصبحت وزيرا في الإدارة الأمريكية، لم يكلفني ذلك سوى نصف ساعة من عمري مع الرئيس . . !

وهذا لا يعني بالطبع، أن كل جنرال يصلح أن يكون وزيرا أو رئيس دولة. صحيح أن بعض الجنرالات شاركوا بدورات قيادية وإدارية في دول متقدمة، واكتسبوا العلوم والخبرات، وكيفية إدارة موارد الدولة في أجواء ديمقراطية. كما عرفوا أيضا من خلال ممارستهم القيادية والإدارية العملية، أهمية الطبيعة البشرية، خاصة في مجتمع مدني مفتوح. ومع ذلك فليس لدى الكثيرين منهم، مرونة وقدرة على تغيير أسلوب تفكيرهم وعملهم، عند توليهم مناصب مدنية، فيفشلون في تحقيق المهام التي تعهدوا بها. وما يجري في السودان الشقيق هذه الأيام أكبر دليل على ذلك.
 

وختاما أذكّر بما كتبه المارشال مونتغري في هذا المجال، قبل نصف قرن من اليوم :

" على القائد ( الوزير، المدير ) أن يدرك الطبيعة البشرية، وهي أشبه بالمادة الخام التي يحتاج إليها الصانع في حرفته. وعليه أن يستغل الطاقات الكامنة في رجاله، فيوكل لكل منهم عملا يناسبه ويتلائم مع طبيعته. فإذا تمكن من توجيه هذه الطاقات نحو أهداف معينة، أمكنه أن يحقق الكثير. وهذا هو العامل الأساسي المطلوب سواء في القيادة العسكرية أو في القيادة المدنية ".