نخفي الكثير من آرائنا و أفكارنا و أحاسيسنا و مشاعرنا، 

نهرب من الأماكن التي قد تضطرنا لمواجهتها، ننسحب من الحوارات بتكتيك مدروس و محسوب جيداً، ننهي النقاشات بأعذارٍ غير مبررة، نضطر لإلغاء بعض الرحلات، نكتب و نمحي الاف المرات، نكابر و نجامل في اللقاءات، و نمشي أحيانا في اضيق الممرات خوفا من اللقاء، نغير الوجهات، و نخلق الاعذار و التبريرات،ونطيل بعض الزيارات، وننشد ببعض العبارات، و نكذب الكثير من الكذبات؛ ببساطة لاننا لا نريد إظهار الحقيقة و نريد إخفاءها .

بالرغم من كل تلك المحاولات الناجحة في الهرب؛ إلا ان العيون هي التي تفضحنا، فمن على قدرٍ كافٍ من الإحساس و الملاحظة يستطيع و بكل سهولة أن يكشف مدى زيف الحقائق، و مدى كذب أقوالنا، و حقيقة هروبنا.

ففي العيون تجد جميع الأجوبة للاسئلة التي لست مضطراً لسؤالها، و تلمس أحاسيساً لست مضطراً لإيجاد دليلاً عليها، تجد أفكارًا لست مضطراً لمناقشتها، و تجد اراءً لست مضطراً لمحاورتها، و نصوصًا لست مضطراً لقراءتها، اشعاراً لست مضطراً لإلقائها، و انغاماً تسمعها، ووروداً تشتم رائحتها، أحزاناً من غير هجاء، دموعاً من غير بكاء، وجهات ضللتها،مبررات لتصرفاتٍ جهلت مقصدها.

نسمع و نرى ، نشم و نلمس و و نتذوق بعيوننا، فالحواس الخمسة كلها مجتمعة فيهم! 

"العَيْنُ تُبْدي الذي في قَلْبِ صاحبِها

مِن الشَّناءَةِ أوْ حُبٍّ إذا كانا

إنَّ البَغيضَ لهُ عينٌ تُكَشِّفُهُ

لا تَسْتطيعُ لما في القلْبِ كِتْمانا

فالعينُ تَنْطِقُ والأفْواهُ صامِتَةٌ

حتى تَرى منْ ضَميرِ القلبِ تِبْيانا”

الحيص بيص