التواصل الاجتماعي كسلطة خامسة و أداة رقابة عامة
نمت شبكة الإنترنت من حيث التغطية والمحتوى بشكلٍ مضطرد مع بداية الألفية، تلى ذلك ظهور (منصات التواصل الاجتماعي) لتجسير فجوة متنامية في العلاقات الاجتماعية التي تراجعت تحت وطأة ساعات العمل الطويلة والانطوائية المتلازمة مع صعود القيم الفردية الليبرالية للمجتمعات الرأسمالية وتحلل الأسرة وتضاؤل دور القبيلة.
تَصدّر (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، ومؤخرًا تيك توك) منصات التواصل الاجتماعي مُشَكّلًا عقدة اتصال لتبادل المحتوى بين الأفراد عبر العالم. كانت البداية كمشروع تواصل لفئة المراهقين والطلبة الجامعيين، ثم أصبح منصة اجتماعية أوسع لجميع الفئات، واليوم صار منصة أعمال وتسويق ودعاية وخدمات للأفراد والمؤسسات والحكومات.
تزامنًا مع انخفاض أسعار الحواسيب والهواتف الذكية وتحسّن سرعة وتغطية شبكة الإنترنت على المستوى العالمي فقد مَكّن ذلك الملايين من الولوج للشبكة المعلوماتية، ولتثبيت موقع وحضور في تلك الشبكة المستجدة فقد لجأ الأفراد لإنشاء حسابات وصفحات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي المجانية كبديل رخيص ومتاح عن إنشاء مواقع رسمية مدفوعة الأجر، ثم تبع ذلك إقدام الشركات والمنظمات والحكومات على إصدار نسخة موازية من (الموقع الرسمي على الإنترنت) على (منصات التواصل الاجتماعي) نظرًا لسهولة وسرعة الوصول للجمهور المستهدف عبرها.
منصات التواصل الاجتماعي في المقابل تجني إيرادات هائلة من عوائد الإعلانات مدفوعة الأجر، ومن رسوم الترويج لمحتويات المشتركين أنفسهم، ومن عوائد بيع بيانات المشتركين لأهداف تسويقية وبحثية.
ظهرت السلطة المتعاظمة لقدرة (منصات التواصل) على الحشد والتأثير وكسب التأييد مع بدايات الربيع العربي 2011 عندما طافت صورة (بوعزيزي تونس) العالم في ساعات لتؤسس لأحداث كبرى لم تنطفيء شعلتها حتى اللحظة، ولهذا لجأت عدة حكومات لقطع خدمات الإنترنت عن الناس كبحًا وقطعًا لعقدة التواصل الجماعية التي باتت تؤسس لعقلٍ ووعيٍ جماعي لم يعرفه التاريخ.
في المقابل فإن (إدارة شركات منصات التواصل) تمارس سلطة مطلقة على تدفق البيانات في منصاتها؛ فهي تارةً تُجمّد حساب الرئيس الأمريكي ترمب! وتارةً أخرى تحجب بعض المحتويات التي تنتهك سياسات النشر لديها كإجراء عقابي ضد المشتركين!
اليوم، إن أكثر ما يخشاه رجل سُلطة هو تداول اسمه على منصات التواصل بشكلٍ سلبيٍ مُنتقَد، حيث أن أسمك غطاءٍ لن يحميه أمام سيل جارف من الانتقاد العام لا يقل تأثيرًا عن تظاهرات الشارع التقليدية.
الناس أصبح لديهم محكمة مفتوحة لمحاسبة الجميع وإبداء الرأي في كل مسألة وشخص.
إنه تطوّر حقيقي لسلطة خامسة افتراضية تمارس الرقابة العامة والاستفتاء، لمدى يتجاوز الأطر التقليدية للصحافة والبرلمان والأحزاب المعارضة. إنه مجتمع افتراضي يعمل بكفاءة تنسجم مع روح وقيم العصر، السرعة والاستجابة والحرية.