أميركا تقترب من تقييد "حق الإجهاض"

 


أثرت التغيرات في تشكيل المحكمة العليا خلال عهد ترامب -خاصة تعيين 3 قضاة محافظين- في تغيير مزاجها تجاه قضية الإجهاض، إذ يبدون رغبة في إلغاء التشريعات السابقة، والتشدد في عمليات الإجهاض، وتشجيع النساء على عرض أطفالهن للتبني بدل "التخلص منهم قبل ميلادهم"


متظاهرات ومتظاهرون مناهضون لترامب يحتجون على مسيرة معارضة لحقوق الإجهاض في شيكاغو، إلينوي، 15 يناير/كانون الثاني 2017 (رويترز)
انقسام أميركي
يمثل الإجهاض قضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وتقسم الأميركيين بشكل حاد على أسس حزبية وأيديولوجية ودينية.


وبعد ما يقرب من 5 عقود من تناوله في المحكمة العليا الأميركية، لا يزال قرار المحكمة المتعلق بالإجهاض يُقسم الأميركيين بين معارضين ومؤيدين حول القضية التي لم تتوقف عند المحاكم، بل امتدت إلى صناديق الاقتراع والمجالس التشريعية للولايات المختلفة.

وفرضت عدة ولايات، أو أقرت، قيودا جديدة على الإجهاض عام 2021، بهدف إعطاء المحكمة العليا فرصة لإلغاء قرارها المتخذ عام 1973.

ووافقت المحكمة العليا -مايو/أيار الماضي- على مراجعة قانون ولاية مسيسيبي الذي يهدف إلى جعل معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل غير قانونية، وستكون هذه القضية أول مراجعة لقانون الإجهاض في المحكمة منذ فترة طويلة.

واليوم، تقول أغلبية 59% من البالغين في الولايات المتحدة إن الإجهاض يجب أن يكون قانونيا في جميع الحالات أو معظمها، في حين يعتقد 39% أن الإجهاض يجب أن يكون غير قانوني في جميع الحالات أو معظمها.


ولم تتغير هذه الآراء نسبيا في السنوات القليلة الماضية. ووجد آخر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، في الفترة من 5 إلى 11 أبريل/نيسان الماضي، خلافات عميقة حول الإجهاض على أساس الانتماء الحزبي، وهو أوسع بكثير مما كان عليه قبل عقدين من الزمان.


حظرت محكمتان فدراليتان القانون الذي أقرته ولاية مسيسبي، مما سمح بوصوله إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة.

ويسمح القانون بالإجهاض بعد 15 أسبوعا، مع استثناء حالات الطوارئ الطبية، أو في حالة التشوه الشديد للجنين. لكنه لا يعطي استثناء لحالات الاغتصاب أو سفاح القربى.


وإذا أجرى الأطباء عمليات إجهاض خارج حدود القانون، فإنه ينص على تعليق أو إلغاء تراخيصهم الطبية، مع إمكانية تعرضهم لعقوبات وغرامات إضافية.

وجاءت موافقة المحكمة على النظر في القانون بعد أن رفضت أيضا حظر قانون الإجهاض في تكساس، الذي يمنع الإجهاض بعد نحو 6 أسابيع من الحمل، من دون إعطاء أي استثناءات للاغتصاب وسفاح القربى أيضا.

ويرى كثير من الفقهاء القانونيين المحافظين أن نصوص الدستور الأميركي لا تعكس أيا من حق الحياة أو حق الاختيار فيما يخص الإجهاض. وعليه، لا يتوجب على المحكمة العليا اختيار جانب واحد على حساب الآخر في أكثر القضايا الخلافية جدلا في الحياة الاجتماعية الأميركية.

وبعد عقود شهدت كثيرا من الإخفاقات للتيار المحافظ الداعي لوضع قيود على حق الإجهاض، بدأت تتبلور معالم تغيير بهذا الاتجاه في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية.


وتمكنت ولايات جنوبية محافظة، مثل تكساس ومسيسيبي، من تمرير تشريعات محددة ومعقدة لعمليات الإجهاض داخل حدودها.

وجاءت هذه الخطوات عقب فشل أنصار حقوق الإجهاض في توقع انتخاب دونالد ترامب، الذي قام بتسمية 3 قضاة محافظين في المحكمة العليا، مما قلب توازن المحكمة لصالح التيار المحافظ بـ6 قضاة مقابل 3 فقط من الليبراليين.

في لقائه البابا ورجال الدين على هامش قمة المناخ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ناقش الرئيس جو بايدن توجهاته الداعمة لحق الإجهاض (غيتي)
الإجهاض.. معركة سياسية
عارضت إدارة الرئيس جو بايدن قرار ولاية مسيسيبي، وأكدت المحامية العامة إليزابيث بريلوغار الممثلة لإدارة الرئيس بايدن أمام المحكمة العليا أهمية الابتعاد عن المساس بقانون "رو ضد وايد"، الذي ضمن حق الإجهاض على مدى 50 عاما.

في حين اعتبر المدعي العام الممثل لولاية مسيسيبي، سكوت ستيوارت، أن قوانين الإجهاض "تتربص ببلادنا" وأنها "سممت القانون".


وتركت التغيرات التي طرأت على تشكيل المحكمة خلال السنوات الأخيرة، خاصة تعيين 3 قضاة محافظين خلال سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب الأربع، آثارها في تغيير مزاج المحكمة تجاه القضية الخلافية، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.

وأبدى القضاة المحافظين -خاصة الثلاثة الذين عينهم ترامب، وهم نيل جورسيتش، وبريت كافانو، وإيمي كوني باريت- رغبة في إلغاء التشريعات السابقة، والتشدد تجاه عمليات الإجهاض، وتشجيع النساء على عرض أطفالهن للتبني بدلا من "التخلص منهم قبل ميلادهم"، كما ذكرت القاضية باريت.

وخارج أبواب المحكمة، وقف مئات المتظاهرين بين مؤيدين لإلغاء الإجهاض ومعارضين لحظره. وطبقا لاستطلاع أجرته شبكة "فوكس" (Fox) الإخبارية على 1002 شخص بين 12 إلى 15 سبتمبر/أيلول الماضي، اعتبر 29% من الأميركيين أن الإجهاض يُعد عملا قانونيا في كل الحالات.

واعتبره 20% عملا قانونيا في أغلب الأحيان. وعلى النقيض اعتبره 11% عملا غير قانوني في كل الحالات، وقال 38% إنه عمل غير قانوني في أغلب الأحيان.

ماذا بعد؟
ولا تزال القرارات التي ينوي أغلبية قضاة المحكمة التسعة اتخاذها غير واضحة، سواء ترك حق الإجهاض لتقرره سلطات كل ولاية على حدة، أو السماح بالحظر الفدرالي للإجهاض بعد عدد أسابيع محدد من دون إبطال قانون "رو ضد وايد".


وجدير بالذكر أن الأغلبية البسيطة -5 أصوات- تكفي لتمرير أي قانون جديد. ويتوقع أن يصل النقاش حول قرار المحكمة الجديد في الربيع المقبل أو أوائل الصيف القادم، عندما تنعقد المحكمة لإعلان القرار الحاسم.

المصدر : الجزيرة