سجن 16 عاما ظلما.. اكتشاف براءة متهم بالاغتصاب أثناء التحضير لفيلم عن الضحية
أثناء التحضير لفيلم مستوحى من رواية "محظوظة" (Lucky) للكاتبة أليس سيبولد حول قصة اغتصابها، اشتبه المنتج التنفيذي للفيلم ببعض تفاصيل القصة، وبعد البحث وجد أن المتهم أنتوني برودواتر، الذي سجن 16 عاما ظلما، بريء من هذه التهمة، ليتحول بذلك من الجاني إلى المجنى عليه، وانقلب العمل الفني ليصبح وثائقيا بعنوان "سيئ الحظ" (Unlucky) حول ما تعرض له "برودواتر".
فكيف أُتهم برودواتر (61 عاما) بجريمة لم يرتكبها؟ وكيف برئ بعد 40 عاما من الحادثة؟ وهل اتهمته سيبولد ظلما أم إنها أيضا ضحية للنظام القضائي وضللت؟
نظراته مخيفة
في نوفمبر/تشرين الثاني 1981 وقف 5 رجال سود يرتدون قمصانا متطابقة في غرفة بمركز للشرطة في نيويورك، وكانت سيبولد -التي كانت تبلغ 19 عاما حينها- تحاول التعرف على من اغتصبها، وبعد اختيارها أحد المشتبه فيهم، دفعت من قبل الشرطة والمدعين العامين نحو اتهام برودواتر. وقال لها مساعد للمدعي العام "برودواتر ينظر إليك بشكل مخيف" من أجل خداعها.
واستندت القضية على اشتباه الضحية في برودواتر، وتحليل لشعره باستخدام تقنية غير دقيقة، لم تعد معتمدة في المحاكم الآن، ووقع بذلك ضحية نظام العدالة المتحيز، وقضى أكثر من 16 عامًا في السجن، و23 عاما أخرى مصنفا بأنه ضمن مرتكبي جرائم جنسية.
محظوظة
وكتبت سيبولد قصتها عام 1999 في رواية "محظوظة"، وشرحت كيف حاربت للإمساك بمغتصبها، وباعت أكثر من مليون نسخة، وفي 2019 تم الإعلان عن إنتاج فيلم مستوحى من الرواية، وبدأت شبكة "نتفليكس" (Netflix) لاحقا بالعمل عليه.
وخلال التحضير للفيلم، لاحظ المنتج التنفيذي تيموثي موشيانت أن التفاصيل غير متسقة، وقال في مقاله في صحيفة "الغارديان" (The Guardian) "عندما راجعت الكتاب لأول مرة، كان لدي الكثير من الأسئلة، وأزعجني الجزء المتعلق بمحاولة سيبولد التعرف على مهاجمها، فكان برودواتر المشتبه فيه رقم 4، واختارت سيبولد المشتبه فيه رقم 5، وكتبت أن المشتبه فيهما بدوا مثل التوأم المتطابق".
ورأى موشيانت أن تخبط سيبولد كان يجب أن يكون نهاية القضية، وأبلغ تساؤلاته لفريق الإنتاج، لكنهم أكدوا أن الناشر فحص الكتاب والحقائق، وطالبوه بأن يثق في مادة المصدر، لكنه رفض تقبل هذا الوضع، وتسبب ذلك بجانب أسباب أخرى في مغادرته فريق العمل.
لكنه لم يدر ظهره للتناقضات التي لاحظها في قصة سيبولد، واستعان بمحقق خاص، وفي غضون 48 ساعة توصلا إلى برودواتر، وعرفا الحقائق الأساسية وراء القضية، وسرعان ما اتضحت براءته، وقام موشيانت بجمع الأموال وتعيين محامين لإلغاء إدانته.
ظهر الحق
وخلال أقل من عام، أثبتت المحكمة براءة برودواتر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن أثبت محامي الدفاع ديفيد هاموند وميليسا شوارتز أن إدانته مليئة بالأخطاء، وأن مساعد المدعي العام ضلل سيبولد، كما أشار المحاميان إلى أن التقنية المستخد
وارتجف برودواتر وهو يبكي عند الحكم ببراءته وعانق محاميه، وقال عقب المحكمة "لم أعتقد أبدا أبدا أنني سأرى اليوم الذي سيتم تبرئتي فيه"، وصرح بأنه رفض إنجاب أطفال بسبب خوفه من إحضارهم إلى العالم بينما يحمل والدهم وصم أنه معتد جنسي.
أسف مقبول
وأعربت سيبولد -في بيان- عن أسفها لما تعرض له برودواتر، وقالت "أقدم خالص اعتذاري لبرودواتر ولما مر به، وآسفة بشدة لحقيقة أن الحياة التي كان من الممكن أن تعيشها سُرقت منك ظلما، وأعلم أنه لا يمكن لأي اعتذار أن يغير ما حدث لك".
ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدها برودواتر، فإنه قبل اعتذار سيبولد، وقال لصحيفة "ديلي ميل" (Daily Mail) "أشعر بالارتياح لأنها اعتذرت، فبينما لا يزال الحادث مؤلما بالنسبة لي، سيساعدني هذا الأسف في محاولاتي تقبل ما حدث".
وقال لصحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) "تطلب اعتذارها الكثير من الشجاعة والقوة حتى تتفهم أنها كانت ضحية، وأنني كنت ضحية أيضا".
ضحية أم ظالمة؟
رغم أن الكثيرين يتحاملون على سيبولد بسبب اتهامها الخاطئ، فإنها تعرضت للتضليل من قبل النظام القضائي، الذي فشل في تحقيق العدالة أيضا عندما تبنى افتراضاتها المضطربة في وقت كانت فيه فتاة مراهقة تحت تأثير صدمة مدمرة.
وتساءل موشيانت في مقاله عمن يجب أن يُلقى عليه اللوم في هذه القضية هل سيبولد أم نظام العدالة الأميركي أم كلاهما؟ وقال "لا أعتقد أن سيبولد، التي كانت ضحية اغتصاب تبلغ من العمر 18 عاما، تتحمل أي لوم، فقد كانت تبذل قصارى جهدها، مسترشدة بمساعد المدعي العام عديم الضمير".
غير أنه ألقى ببعض اللوم على سيبولد عندما كتبت روايتها، إذ راجعت ملف القضية كاملا قبل تأليف الرواية، وتساءل "ألم تدرك بعد هذه السنوات أن المشتبه فيهما 4 و5 ليسا متشابهين في المظهر؟ ألم تكن قد أتيحت لها الفرصة لتبرئة المتهم وقتها".
واستنكر فشل نظام العدالة الأميركي، قائلا "لا يجب أن يقبل مساعد المدعي العام أبدا بدعوى لا يمكن للضحية فيها التعرف على المشتبه فيه، وهذا ليس إخفاقا من قبل ذلك الفرد فحسب، بل هو فشل لكل مسؤول قانوني متورط في هذه القضية".
وأعلن موشيانت عن إنتاج وثائقي بعنوان "سيئ الحظ" ليحكي ما تعرض له برودواتر طوال هذه السنوات، وجهوده لإعادة بناء حياته، كما سيعرض دور موشيانت في تبرئة برودواتر، ويشارك الفريق القانوني والمحقق الخاص في الوثائقي الذي يتم تصويره حاليا.
المصدر :الجزيرة