صالح العرموطي احدث ضوضاء وجلبة في مدارات الطأطأة اللامتناهية
أحمد الحراسيس - خلال الأيام القليلة الماضية، انتقد مواطنون قيام النائب صالح العرموطي بالانسحاب من جلسة النواب الرقابية التي كان مقررا عقدها الأربعاء الماضي، وذلك احتجاجا على وجود وزير المياه والريّ محمد النجار تحت القبة بعد قيامه بتوقيع اتفاقية العار (الماء مقابل الكهرباء) مع الكيان الصهيوني.
هذه الأصوات، كانت تريد من العرموطي طلب سحب الثقة من الحكومة بدل الانسحاب من الجلسة، ووصفت الحركة الاحتجاجية بأنها استعراضية، وهذا فيه افتئات على الحقيقة والدلالة والأثر. والواقع أننا بتنا لا نعرف هوية اولئك؛ إذا ما كانوا مع هذه الاتفاقية أو ضدها، فإن كانوا ضدها -وهذا ما نعتقده- فالرجل أعلن معارضته لأي شكل من أشكال التطبيع، وقد تصرّف على هذا الأساس وأخذ موقفا، فأين المشكلة في ما فعله العرموطي؟
ما جرى هو أقصى ما يمكن أن يفعله نائب واحد في البرلمان، وربما لو ذهب إلى خيار طلب طرح الثقة بالحكومة لانتهت المذكرة بالفشل، تماما كما لم تنجح محاولات العرموطي في جمع (10) تواقيع للتقدم بمشاريع قوانين منذ نحو عام. ومع ذلك، فقد نجح العرموطي والنواب المنسحبون باحراج الحكومة وتسليط الضوء على موقفهم الحازم برفض اتفاقية (النجار - كارين الحرار) ورفض التطبيع مع العدوّ الصهيوني وتعرية المطبّعين من الوزراء.
جزء من عتب المتابعين كان عائدا إلى فهم مغلوط بأن نقيب المحامين الأسبق أفشل محاولة مناقشة الاتفاقية تحت القبة، والحقيقة أن العرموطي كان موجودا أصلا ليس من أجل مناقشة الاتفاقية فقط، بل ولالغائها واسقاط الحكومة التي وقعتها، لكن رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي قرر "الالتزام" بالنظام الداخلي، وقرر أن لا يتعامل مع احتجاج النواب بمرونة كما طالب العرموطي واقترح النائب خير أبو صعيليك الذي حاول تذكير الدغمي بأن "النظام الداخلي ينصّ على ما ذهبت إليه رئاسة النواب، لكنّ المجلس سيّد نفسه ويستطيع اتخاذ ما يراه مناسبا من اجراء".
كان الأصل بالعتب والغضب أن يكون موجّها لرئيس مجلس النواب الذي يرفع شعار "استعادة هيبة النواب"، وأن لا يقبل الدغمي -وهو القوميّ الذي طالما هاجم الصهاينة والحزب الاسرائيلي في الأردن- أن توقّع وتمرر حكومة بشر الخصاونة اتفاقية بهذه الخطورة في عهده، فالتاريخ سيذكر ويحفظ بأن هذه الاتفاقية وُقّعت في وقت كان فيه الخصاونة رئيسا للحكومة والنجار وزيرا للمياه والدغمي رئيسا لمجلس النواب.. تماما كما سيذكر اتفاقية (الحنيفات - عوديد) التي وقعها وزير الزراعة مع الاحتلال الصهيوني.
كنّا سنتفهم أن يوجّه الأردنيون سهام نقدهم للحكومة برئيسها ووزير مياهها الذين وقّعوا هذه الاتفاقية، فالواجب أن تتمّ تعرية و"تشميس" كلّ مطبّع، وليخشَ المطبعون على سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية، وليقلق المطبعون على إرث الآباء والأجداد، وليفهم الجميع أن الشعب لن يغفر لأي مسؤول يُصافح قتلة الأطفال ومدنّسي المقدّسات ومغتصبي الأرض مهما طال الزمان.
لا نقول إن النائب العرموطي محصّن من النقد، فهذا حقّ للناس، وقد مارسناه سابقا، لكننا هنا نتحدث عن النقد الذي يُمكن فهمه وفهم دلالاته ومعانيه وغاياته؛ النقد البنّاء الذي يدفع النائب لمزيد من العمل والعطاء ويعزز وفاءه واخلاصه للدور الذي يقوم به، وليس النقد الذي يستهدف تحطيم معنويات النائب وشيطنة مواقفه المبدئية والوطنية وتشويهها، وايصاله إلى قناعة بأن صاحب المبادئ لا يختلف عن النائب المتواطئ والمتماهي مع الحكومة وممارساتها.
الواقع أن النائب العرموطي وزملاءه المنسحبين حفظوا ما تبقى من ماء وجه النواب وقيمة مؤسسة البرلمان، والغريب أن يتمّ تجاهل حقيقة أن الانسحاب من الجلسة كان موقفا سياسيا يُحترم عليه العرموطي وزملاؤه المنسحبون، فهم أوصلوا رسالة مدوّية حول موقفهم من اتفاقية العار، وقد غطّت كلّ وسائل الاعلام المحلية والكثير من وسائل الاعلام العالمية هذا الحدث، وعرف الجميع موقف المجلس، بخلاف ما كان سيحصل لو استسلم العرموطي للنظام الداخلي الذي يُقرّ الدغمي أنه أفقد النواب الكثير من هيبتهم..
المتتبع لمواقف النائب العرموطي في مختلف المفاصل، يجد برلمانيا حقيقيا يستحق أن يكون بمعيّة مجلس نواب يمثّل الأردنيين بحقّ، فطالما كان الرجل منحازا للمصلحة الوطنية ومصلحة الشعب، وبعيدا عن الشعبويات التي لا يحتاجها من يُرشّحه الشعب وتُرشّحه الهيئات العامة ولا يتقدم هو للترشّح كما هو حال صالح عبدالكريم العرموطي..