جائزة المعنى الجليل ومعنى الجائزة العظيم
أذكر جيّدا ذلك الصباح النديّ البعيد القريب، لقد تلقّيت فيه مكالمة هاتفية من الصديقة العزيزة الدكتورة تمارا ناصر الدين، ثم التقينا إثرها لمناقشة تفاصيل أمر أعلمتني أنها تهجس به، وتطيل التفكير فيه، يومها باحت لي بأنها تريد أن تكرم والدها سعادة الدكتور يعقوب ناصر الدين بهدية يدوم أجرها ويبقى ثوابها، هي تعلم ونحن كذلك، أنه صاحب الأيادي البيضاء والمكارم الفُضلى، لكنها أرادت شيئًا مختلفًا، أرادت تخليد اسمه في أمر يتعلق باللغة الأم، اللغة الهُويّة، لغة الحضارة والتراث، لغة المجد والعزّ والفخار، لغتنا العربيّة، وقد غمرتني سعادة بالغة لا توصف وأنا أستمع إلى كلامها، وأناقش معها أفكارًا ومقترحات تلبّي طموحها وتحقّق مبادرتها؛ فحبّ اللغة العربيّة يسري في دمي، وما يتصل بها أو يتعلّق بشؤونها يلقى مني كلّ ترحيب ورعاية وعناية، وبعد مناقشة ومداولة كان المقترح النهائيّ... (جائزة الدكتور يعقوب ناصر الدين للقراءة الحرة والكتابة الإبداعية).
ومن ثم، ففي إطار تعليمات ناظمة، وشروط وأحكام خاصة وعامة، أقرّت مجالس الحوكمة في جامعة الشرق الأوسط جائزة سنويّة، تمنحها للفائزين من الجامعات الأردنية كافة في مسابقات ثلاث: القراءة الحرة، والكتابة الإبداعية في مجالي: المقالة، والقصة القصيرة، وتقرّر أن تحمل الجائزة اسم مؤسس جامعة الشرق الأوسط، ورئيس مجلس أمنائها، الدكتور يعقوب ناصر الدين فتؤدي المعنى المقصود كلّه؛ إذ إنها تأتي تكريمًا لجهوده في رعاية فئة الشباب ودعم إبداعاتهم، وتأكيدًا لإيمانه بدور مهارتي القراءة والكتابة في تنمية القدرات المعرفيّة والفكريّة للإنسان، وتعزيز اتجاهاته الوجدانيّة والتفاعليّة والإبداعيّة مع أفراد المجتمع من حوله، وصولًا إلى دولة قويّة متينة البنيان.
وتشاء الأقدار أن نواجه جائحة كورونا؛ فيتأخر التنفيذ دون أن تثبط الهمّة أو تهبط العزيمة، ليرسم القدر صورة أجمل ممّا أمّلنا أو توقّعنا، ويكون إطلاق الجائزة في موسمها الأول هذا العام، ونحن نعيش أجواء الاحتفال باليوم العالمي للغة العربيّة الموافق للثامن عشر من كانون الأول؛ بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف السامية، يتصدّرها تعزيز ارتباط طلبة الجامعات الأردنية كافة بلغتهم وهويّتهم، وتهيئة بيئة محفزة لهم على التعلّم الذاتي، وكسب الثقافة العامّة، وتمثّل القيم الأخلاقيّة الإيجابيّة في حياتهم، من خلال التشجيع على القراءة الحرّة، وتحفيزهم كذلك على صقل قدراتهم الإبداعيّة في مجال الكتابة، ومنحهم فرصة التعبير بها عن ذواتهم، وعن نظرتهم للمجتمع وللعالم من حولهم، والإسهام في وضع حلول للمشكلات المجتمعية.
وقد أنيطت مهمة متابعة شؤون الجائزة، وتنظيم مسابقاتها بلجنة عمادها منتسبو كلية الآداب والعلوم في الجامعة، يرأسها عميد الكلية، وتضمّ في عضويّتها عددًا من أعضاء هيئة التدريس المختصين باللغة العربية والمبدعين في مجالاتها المختلفة في الكلية والجامعة، بصحبة زملاء لهم من جامعات أخرى؛ تحقيقًا لأعلى درجات النزاهة والشفافية؛ وقد بذلت اللجنة جهودًا حثيثة في هذه المرحلة وصولًا إلى إطلاق الجائزة، وتهيئة بيئة مناسبة للمشاركة فيها، تنسجم مع الظروف التي نعيشها على المستوى الاجتماعيّ الصحيّ. وما زال سعي اللجنة موصولًا وممتدًّا بإذن الله، لاستقبال مشاركات أبنائنا الطلبة وتقييمها، وصولًا إلى إعلان الفائزين، وتكريمهم بجوائز قيّمة، تليق باسم صاحب الجائزة، وباللغة التي تحتفي بها.
وبعد، فإن جلال المعنى الذي تخدمه الجائزة يعظّم معنى الجائزة نفسها في قلوبنا، وانسجامًا مع هذا الإحساس العظيم أدعو أبناءنا طلبة الجامعات في بلدنا الحبيب، الشغوفين بالقراءة الحرة في مجالات مختلفة، والمبدعين في كتابة المقالة والقصة القصيرة، للمشاركة في مسابقات (جائزة الدكتور يعقوب ناصر الدين للقراءة الحرة والكتابة الإبداعية)، أما بشأن مبادرة العزيزة الدكتورة تمارا فإنني أبارك لها تحقّقها، واللهَ تعالى أسأل أن يجعلها في ميزان حسناتها وحسنات والدها الكريم، وأن ننال جميعًا أجر خدمة لغتنا العربية التي نحبّ، ونفتخر بأننا من أهلها وخاصّتها، وفي يومها العالميّ نقول لها: كل عام وأنت بخير.