الأردنُ بين لحظتي الخليجيّ الذي تَمَدَّدَ...والعربيّ الذي تَقَهقَرَ.....
في كتابٍ يشكل مرافعة قوية عن "لحظة تقدم دول الخليج وتأثيرها ونفوذها" واستثمار قوتها الناعمة والخشنة يصدر الأكاديمي الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله كتابه، وعن "الأردن الذي توقف عن التقدم" لم يجد عبدالكريم الكباريتي رئيس الوزراء الأسبق سوى مناسبة تكريم ليشكو فيها الجوائح وحالات التقهقر التي نُعاني منها، فيدعو إلى "صحوة أساسها العمل".
ويكشف كتاب دكتور العلوم السياسية في جامعة الإمارات/الأكاديمي المتقاعد الدكتور عبدالخالق عبدالله الموسوم بـ"لحظة الخليج العربي في التاريخ العربي المعاصر"، كيف أضحى نفوذ وتأثير (6) دول خليجية أكثر من نفوذ (16) دولة عربية في "تحول نوعي غير مسبوق في التاريخ العربي المعاصر" بدأ مع الألفية الجديدة وهو أخذٌ بالتمدد، مقابل تراجع وانكفاء مراكز القيادة العربية التقليدية: القاهرة وبغداد ودمشق وبيروت، لصالح عواصم ومدن خليجية كدُبي والدوحة والرياض وأبوظبي والشارقة التي تقدم نفسها عواصم للاقتصاد والمال والدبلوماسية والسياسة والإعلام والثقافة.
فبعد أن كان الخليج في "الهامش" أمسى يمتلك "الصدارة والريادة". وأضحت "دول خليجية صغيرة تتصرف كعملاق اقتصادي وسياسي ومعرفي تؤثر في الكل العربي أكثر من تأثير الكل العربي فيها". ومرت لحظة بدا فيها "أن تأثير قطر على مصر أكبر من تأثير مصر في قطر". ومرت لحظات كان شعور المواطن الأردني في بلده أكبر من مساحته.
فلحظة "تراجع" الكل العربي مُقابل "تَقدم" لحظة الخليج عنوان الكتاب الصادر عن دار الفارابي البيروتية العام 2018، الذي يورد أن "الجودة والرفاهية لم تعد مرتبطة بمصر ولبنان والعراق وسوريا كما كانت، بل أصبحت الرفاهية ونوعية الحياة، وجودة التعليم والصحة، وتفوق البنية التحتية والتقنية والتنظيمية قيمة خليجية، ومن أهم مصادر قوة لحظة الخليج، كما كانت في يوم من الأيام من أهم مصادر قوة المشرق والمغرب العربي، في تلك الفترة كان كل ما هو مصري وعراقي ولبناني وتونسي وجزائري جاذبًا ومصدر إلهام واحترام".
الخليج الذي بدأ لحظتة "نفطيًا"، ها هو ينوع اقتصاده ويبتعد عن النفط، ويُعزز قوته، ويراكم ثرواته ويواصل تقدمه، في المقابل "كَفَّ" الأردن "عن تقدمه" فالأردنيّ كان في الداخل والخارج يُعلِّم بتفوق، ويطبّب بإخلاص، ويدرّب ويؤهل بإتقان، ويُدير بكفاءة، ويبني بمهارة، وينتج فنًا بحرفية، فقد تقهقرت قدراته البشرية وبُدِدَت ثرواته الطبيعية، فـ"ما أحوجنا اليوم إلى ذلك الرصيد من الأكفياء، القادرين على حمل مسؤولية النقلة الحضارية"، والكفاءات هي "الندرة التي نفتقدها" يصرخ الكباريتي الذي ربما بدأت في عهده أولى خطوات الخصخصة التي يحملها كثيرون مسؤولية تبديد ثروات الوطن.
يقول عبدالخالق الإماراتي في كتابه "ما يحسب للحظة الخليج أنها جعلت العربي، بمعنى الخليجي، يوحي بالنجاح والانفتاح بدلًا من العربي بمعنى المصري والسوري والسوداني والليبي الذي ارتبط بالإخفاق والركود والهزائم المتكررة". ويجيبه عبدالكريم الأردني في كلمته نعاني من "اختلالات مالية ومائية، واقتصادية واجتماعية، وجيوسياسية وديمغرافية، وجائحة جامحة تفترس من صحة الوطن والمواطن...وكأننا هرمنا ووصلنا إلى مرحلة لم نعد قادرين معها على التقدم، وإننا نعاني من حركة تقهقرية".
من وجهة نظر الأكاديمي الإماراتي- ربما المتحيزة لموطنه ومجلسه – أن النصف الأول من القرن الحالي، هو لحظة تقدم وتأثير خليجي، وهو مستمر في تقدمه، بطموح وقوة وثقة ورؤية، فدول مجلس التعاون الخليجي تتسابق في الرؤى ببذخ وتفاخر فلكل دولة خليجية عشرية تطمح فيها إلى تحقيق رؤيتها، أما من وجهة نظر رئيس الوزراء الأردني الأسبق فـنحن في"متن مركبٍ... هائم على وجهه... بلا طريق ولا مقصد ولا رؤية أو بوصلة... في بحر هائج...متعامين متغافلين عن أوحال الأحوال، مسلِّمين أمرنا لزمن ليس حليفنا وإنما هو قاضٍ يحاكمنا".
يعترف الكاتب الإماراتي أن لحظة الخليج بدأت "نفط بنفط" وأن (5) دول خليجية تستأثر بـ(40%) من نفط العالم، ولكنه يضيف أن "لحظة الخليح اليوم هي لحظة ما بعد النفط الذي لن ينضب في المدى المنظور، فانتقل الخليج من عملاق مالي نفطي، إلى المسؤول عن الأجندة العربية" بفضل أربعة عقود من العمل التعاوني، ونصف قرن من العمل التنموي، والازدهار الاقتصادي، والاستقرار السياسي، و"توظيف خلاق لموارد غير محدودة"، وشعور الخليجيين بفضل مجلسهم بوصفهم "أكثر خليجية" فالمواطن الخليجي يشعر أنه مواطن "ملوكي" تفتح له كل أبواب العالم.
فالاقتصاد السعودي في العام 2017 يوازي حجم اقتصاد عشر دول عربية، و13 من أكبر 15 بنكًا أردنيًا مملوكة مباشرة أو غير مباشرة لرأس المال الخليجي من ضمنها البنك الأردني الكويتي الذي رأس مجلس إدارته الكباريتي في وقت سابق.
"في الوقت الذي يتمدد فيه الجزء الخليجي، ينكمش الكل العربي ويترهل ويتراجع"، فقبل (60) عاما لم يكن لدول الخليج حضورًا، بل كانت إمارات ومشيخات وقبائل تعيش عيش الكفاف، لكن الخليج يمتلك اليوم أكبر الاقتصادات، وأفضل الشركات، وأعظم المحافظ السيادية، وأصبح جاذبًا لأفضل الكفاءات والخبرات والعقول والمواهب العربية والعالمية، ويطمح لممارسة أدوار سياسية ودبلوماسية جديدة في المحيط العربي والإقليمي، ويشكل مراكز قوة جديدة مؤثرة ومتمددة.
لكن يبدو أن الأردن حائر بين لحظتين، لحظة الجزء الخليجي، ولحظة الكل العربي، لقد استورد الترف والنفط من الجزء الأول، وجَلَبَ التراجع والانكفاء من الكل الثاني.