الفرق بين المليار والأحد عشر مليار هو أزمة الثقة بين الحكومة والشعب.. الاردن٢٤ تكشف حقائق أرقام المياه - وثائق
كتبت رانيا النمر -
لو شُرّع في الأردن قانون يختص بـ "جرائم تصريحات الوزراء وكبار المسؤولين"، أسوة بقانون الجرائم الالكترونية، لسجل الاردنيون يوميا مئات الدعاوى على الكثير من المسؤولين الذين يمارسون عن سبق اصرار وتقصد عمليات تضليل الناس وتزوير الحقائق و تزييف الوعي؟!
تصريح وزير المياه المهندس محمد النجار -الذي لم يشعر بالحرج من جلوسه مع وزيرة صهيونية ليوقّع اتفاقا مشؤوما لا حاجة لنا به- أمام لجنة الزراعة في مجلس الأعيان، شابه مغالطات وتشوهات لا يمكن السكوت عنها.
بداية صرح الوزير محمد النجار في محاولة لارباك مجلس الأعيان أمس، ان كميات احتياجات المملكة من المياه لكافة الأغراض والاستخدامات هو 11 مليار م٣ (احد عشر مليار متر مكعب) سنويا، في حين ان الأرقام الرسمية المعلنة من دائرة الإحصاءات العامة ووزارة المياه عام ٢٠١٩ وهي آخر دراسة منشورة رسميا تشير إلى أن كميات احتياجات المملكة من المياه لكافة الأغراض والاستخدامات الزراعية والصناعية والسياحة والبلدية هو ٠٤ ١، ١ مليار م٣ ( واحد مليار ومائة وأربعة مليون متر مكعب)، هذه الفجوة الهائلة بين الرقمين تتوجب مساءلته وطرح الثقة به.
الوزير راوغ ليمرر رقما وهميا غير واقعي، وذلك عندما ربط جزافا بين ذلك الرقم الفلكي ١١ مليار متر مكعب وموضوع "الاكتفاء الغذائي الذاتي" حيث قال: "إن ذلك الرقم متعلق بتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي في الاردن"، وهذا هو التضليل بأم عينه، حيث اقترف مغالطة علمية فادحة عندما اوهم الأردنيين بإمكانية الوصول إلى اكتفاء غذائي ذاتي حيث وبحسب الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة والتعريفات من الأمم المتحدة (منظمة الأغذية والزراعة FAO) إن مسألة "الاكتفاء الذاتي المطلق" أمر مستحيل الحدوث في ظلّ التنوّع الجغرافي والمناخي الطبيعي للكرة الأرضية، والتي لا تتحقق في دولة واحدة بعينها وعليه لا يمكن لأي بلد تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي، ما يعني انه تم اعتماد استخدام مصطلح اخر ، اكثر دقة واتصالا بالواقع وهو مصطلح الأمن الغذائي.
ثم اين هي الدراسات الأردنية أو الاستراتيجية الوطنية التي تبين وتقدر ما نحتاجه من الماء وصولا للاكتفاء الغذائي الذاتي التي بنى عليه الوزير مقاربته الهشة ؟ فالفرضية أصلا ليست علمية وغير قابلة للقياس نظرا لمتغيّرات جمّة، بالاضافة إلى كونها تخضع لمعايير اقتصادية عديدة حسب علوم اقتصاديات البيئة ومنهجية دراستها، فمن أين جاء بهذا الرقم يا تُرى ؟!
الحقيقة أن حديث الوزير فيه استخفاف بعقول الناس، وتضليل لمؤسسة مجلس الأعيان، واستهتار بالخبراء والمتخصصين في علوم الزراعة والمياه والبيئة الذين يملك الأردن منهم الكثير.
فاذا كانت هذه الحكومة وغيرها من الحكومات مسكونة بالأمن الغذائي، واذا كانت فعلا حريصة جدا، واستراتيجية جدا، ووطنية جدا، كان عليها ان تكون اولويتها زيادة انتاج القمح محليا هذا المحصول السيادي وبقدر المستطاع. ووفق البيانات ينتج الاردن حاليا ما يكفيه لمدة ١٠ ايام فقط، وبالمفهوم الاستراتيجي يتوجب على الدول انتاج ما يكفيها لثلاثة أشهر على الأقل لتحقيق ابسط قواعد معادلة الأمن الغذائي بالإضافة لتنويع مصادر الحصول على الغذاء من عدة دول.
فتخيلوا المغالطة " اتفاق مائي باطل لتحقيق الاكتفاء الذاتي الموهوم" وبنفس الوقت تجاهل وجهالة بالملفات الأبرز والأكثر حيوية، واتصالا بأمننا الغذائي واستقلالنا السياسي وهو القمح.
حاول الوزير تقديم كل ما من شأنه ان يقنع الاعيان بالاتفاق الكارثة، بالرغم من وجود الكثير من البدائل، و بالضد من موقف الشارع والمعارضة الشعبية العارمة لهذه الاتفاق التفريطي التطبيعي المشين، ولذلك يبقى ان نعرف موقف لجنة الزراعة في مجلس الاعيان، او بالاحرى نعرف موقف مجلس الامة بغرفتيه من هذا الاتفاق، هل سيمر، ونحن متيقنون بانه احد استحقاقات صفقة القرن ؟!!
** وثيقة أسفل المساحة الاعلانية..