هل يدشن الميتافيرس أولى خطوات تقنية "التنفيذ بمجرد التفكير"؟
بين الحين والآخر تظهر أصوات تردد أن التكنولوجيا لم يعد لديها جديداً لتقدمه، لكن يبدو أن هذه الأصوات ستتوقف قليلاً خلال العقد الجديد، إذ خطت تكنولوجيا تتبع حركة اليد، والعين، خطوات كبيرة استعداداً لدخول عالم افتراضي لم نعرفه من قبل، في حين شهد العام 2021 نجاح تجربة ثورية للكتابة دون تحريك الإصبع اعتماداً على التفكير فقط.
وبعدما شهد العام الأول من العقد الجديد تسجيل بداية عالم الميتافيرس الفريد، اقترب وقت استكشاف طرق جديدة أكثر عملية وطبيعية، ليعتمد عليها المستخدمون في تفاعلهم مع الأجهزة الإلكترونية في العصر الجديد، بدلاً من شاشات اللمس، والفأرة "الماوس".
ولكن هل تشهد تجربة البشر الجديدة مع التكنولوجيا الاستغناء عن اليد في التفاعل مع العالم؟
أول ماوس في العالم - Art Machines
أول ماوس في العالم - Art Machines
إيماءات اليد
مؤسس أبل الراحل ستيف جوبز، كان أحد أبرز من أجابوا على هذا التساؤل، قائلاً إن أصابع اليد هى أفضل جهاز تحكم في العالم، مشدداً على أن "الاعتماد على اليد لن يذهب إلى أي مكان، ولكن أسلوب الاستخدام هو ما سيتغير".
وبدلاً من تثبيت اليدين لتتحرك بالماوس أو تضغط على أزرار ميكانيكية، سيتم تحريكها في الهواء لتؤدي حركات ذات معنى، يمكن لمستشعرات دقيقة فهمها وتحويلها إلى أوامر رقمية تتمكن الأجهزة الذكية من تنفيذها، إذ أنه بالتأكيد لن يفضل المستخدمون داخل عالم الميتافيرس أن يظل في أيديهم أجهزة تحكم أشبه بالريموت كنترول الخاص بالتلفاز.
ولأن الغالبية ستميل إلى التفاعل مباشرة عبر أيديهم، ستكون تقنية تتبع حركة الأيدي عنصر رئيسي لدخول العالم الرقمي الجديد، وهو ما بدأ بالفعل، حيث زوّدت معظم الشركات التقنية نظاراتها الذكية بتلك التقنية، والتي تعتمد بشكل رئيسي على مستشعرات تصوير مثبتة على الجانب الخارجي من النظارات، وذلك في حال كانت للواقع المعزز AR أو الافتراضي VR.
حركة العين
الأمر لن يتوقف على تتبع حركة اليد، فدائماً ما كانت العين البشرية محور اهتمام الشركات التقنية، وبدلاً من مجرد المشاهدة، بدأت العديد من الشركات بالفعل في استخدام حركات العين وتركيزها كمنصة تحكم رئيسية يمكن الاعتماد عليها للتفاعل مع مختلف الأجهزة.
وأكد المحاضر الرئيسي بقسم علوم الحاسب بجامعة باث البريطانية، وعضو مجموعة أبحاث التفاعل بين الإنسان والحاسوب الدكتور كريستوف لوتيروث، أن حركة العين تعتبر خياراً مثالياً وطبيعياً لتوجيه مؤشرات التحكم.
وفي حواره مع "الشرق"، قال لوتيروث: "نحن ننظر إلى العناصر والأشياء التي نريدها قبل أن نتفاعل معها، دون الحاجة إلى استخدام أداة إضافية مثل الماوس، أو لوحة المفاتيح".
وأشار إلى أن "حركة العين تكون طبيعية أكثر في التفاعل مع الواجهات الحاسوبية"، موضحاً: "عندما يرغب المستخدم في الضغط على شيء سواء كان زر، أو فيديو يرغب في تشغيله، فإنه ينظر إليه أولاً"، وتابع: "بالتالي فإن التحكم بالعين يجعل عمليتى التركيز والضغط يحدثان بشكل انسيابي وأكثر طبيعية، بدلاً من التحكم عبر الماوس أو لوحة المفاتيح".
وسارت العديد من الشركات في طريق فهم وتحليل حركة العين وتحويلها لأوامر يتم توجيهها لاسلكياً للأجهزة الذكية، فعلى سبيل المثال تُسهِل جوجل على متحدي الإعاقة، خاصة مع فاقدي النطق أو من يعانون من مشاكل في النطق، التفاعل مع الآخرين من حولهم بمجرد حركة عينيهم، وذلك عبر تطبيقها للهواتف الذكية Look to Speak.
كما طورت شركة Tobii، المتخصصة في مجال تطوير تقنيات التحكم في الحواسيب عبر حركة العين وتركيزها، منصة تعتمد على مستشعرات تصوير تقوم بتتبع وتحليل وفهم حركة عين المستخدم، إذ يمكنه التحكم في جهاز الحاسوب الخاص به، مثل التحكم أوتوماتيكياً في درجة سطوع الشاشة، بحيث تنخفض الإضاءة في حال رصدت المنصة عدم وجود المستخدم أمام جهازه.
كذلك طورت "توبي" التحكم في حركة مؤشر الفأرة بشكل سريع من خلال تركيز النظر على النقطة الذي يرغب المستخدم في تحريك المؤشر إليها، دون الحاجة إلى لمس "الماوس" التقليدية.
ومع اقتراب الشركات التقنية من الدخول إلى سوق الميتافيرس، فإن حركة العين أصبحت الخيار المثالي للتحكم فيما يراه المستخدم داخل العالم الافتراضي الجديد مع ارتدائه لنظارات الواقع المعزز AR والافتراضي VR.
ورجح "لوتيروث" التوسع في الاعتماد على حركة العين بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة مع انتشار النظارات، خاصة وأن مجال رؤية المستخدم سيكون حافلاً بتجارب وعناصر افتراضية لن تسمح له بالتركيز على استخدام الماوس أو الكيبورد.
التنفيذ بمجرد التفكير
وبما أن المخ هو أصل كل الحواس، وأساس كل القرارات البشرية، والمحرك الرئيسي لأي حركة يقوم بها جسم الإنسان، جاءت فكرة ترجمة إشاراته العصبية وتحليلها وفهمها، بهدف تحويلها إلى إشارات رقمية لاسلكية، لتفتح آفاقاً أكثر رحابة من مجرد الاعتماد على العين والأيدي في التعامل مع العالم.
فتخيل أن يتم تنفيذ أوامرك بمجرد التفكير، لأن النشاط الكهربي للمخ أصبح من السهل قياسه وتحديد منطقة النشاط بدقة عالية، وذلك دون الحاجة إلى زرع أقطاب داخل المخ البشري، وإنما مجرد جهاز أشبه بخوذة يتم ارتدائها على الجانب الخارجي للرأس بحيث تغطي المناطق الحيوية في العقل.
وتعد شركة Neuralink أحد الرواد في هذا المجال، والتي تتلقى دعماً مباشراً من الملياردير إيلون ماسك، بصحبة جهازها Link الذي يتمثل في جهاز دائري صغير أقرب في حجمه إلى عملة معدنية، يتم تثبيته في جدار الجمجمة، وذلك خلال عملية بسيطة تستغرق 30 دقيقة فقط.
ويستهدف جهاز "لينك" الاعتماد على الأقطاب السلكية الموجودة في نهايته، والتي تقوم بعملية التقاط النشاط الكهربي للمخ، من خلال تلك الأقطاب، ما يفتح نطاقاً واسعاً من التطبيقات التي ستتيحها الشريحة مستقبلاً، ومن بينها التحكم في الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والحواسيب الشخصية.
وشهد العام الحالي نجاح تجربة ثورية تعتبر الأولى من نوعها في العالم، عندما قامت مجموعة من الباحثين بمعهد هوارد هاجز الطبي بتمكين دينيس ديجراي وهو عجوز يبلغ من العمر 66 عاماً، من الكتابة مرة أخرى، ولكن دون أن يحرك إصبع حتى.
وتم الأمر بالكامل بمجرد تفكيره وتخيله أنه يمسك بقلم ويكتب، وهى الطريقة التي ساعدته في الكتابة بمعدل 90 كلمة في الدقيقة الواحدة، وهو ضعف ما كان يمكن لديجراي القيام به عندما كان يختبر طريقة الكتابة على لوحة مفاتيح افتراضية تظهر أمامه على الشاشة، ومخه متصل بها بواسطة أقطاب مثبتة بداخل المخ ومتصل سلكياً بحاسوب موصل بالشاشة.