إخطارات الهدم بالجملة.. قُصرة الفلسطينية ترد على مجدليم: البقاء لأصحاب الأرض



- على بُعد أمتار من منزل لابنه قيد الإنشاء، وقف الفلسطيني جودة شكري يطالع بعينٍ إخطارا إسرائيليا بوقف بناء المنزل، ويراقب بالأخرى البناء المستمر في مستوطنة "مجدليم"، فيزيد غضبه وقهره.

في جبل القعدة بقرية قُصرة القريبة من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، حيث التقينا شكري (أبو سعيد)، أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو شهر أكثر من 20 منزلا بوقف البناء، إضافة إلى 10 منازل بمناطق أخرى من القرية.

 
تملّك الغضب أبو سعيد (60 عاما) وهو يتحدث للجزيرة نت عن حجم المعاناة التي يعيشها ابنه جراء الإخطار بهدم منزله الذي بدأ بتشييده قبل 3 سنوات، ويحتاج لضعفها لينتهي منه، بسبب التكاليف العالية والديون المتراكمة عليه.

عاطف دغلس- المواطن جودي شكري ابو سعيد يشير الى منزل ولده المهدد بوقف البناء -تميهدا للهدم حسب مختصين بالاستيطان- بالرغم من أنه لم يكتمل بعد - الضفة الغربية -نابلس- قصرة- الجزيرة نت 6أبو سعيد إلى جانب منزل ولده غير المكتمل والمهدد بوقف البناء تمهيدا للهدم في قرية قصرة جنوب نابلس (الجزيرة)
ملاحقة من مكان لآخر
تحت وطأة الخوف والملاحقة من جيش الاحتلال، تم بناء المنزل، "فقد جمع قرشا فوق آخر ليتم إنشاؤه"، كما يقول أبو سعيد بحزن، لكنه يضيف رافضا الخضوع لضغوط الاحتلال "لو نستجيب للاحتلال لما مكثنا ساعة بأرضنا".

ورغم مرارة ما تعيشه عائلة أبو سعيد غير أنه أوفر حظا من شقيقه كمال شكري الذي هدم الاحتلال منشأته الصناعية قبل عدة سنوات، ولاحقه فأخطره بهدم منزله بذريعة منع البناء في المنطقة "ج" الخاضعة لسيطرة الاحتلال (بحسب اتفاق أوسلو).

وتكبد كمال شكري (56 عاما) خسارة تجاوزت 10 آلاف دولار بعد هدم معمله الخاص بقص الحجر والرخام، فقام بنقله إلى جبل القعدة شمال القرية، حيث أُخطر أكثر من 20 منزلا بوقف البناء مؤخرا. ويشكو: "إنهم يلاحقوننا من مكان لآخر".

ويقول شكري للجزيرة نت وقد كتم غيظه وواصل عمله غير مبال بتهديد الاحتلال: "نحن أصحاب الأرض والمستوطنون يسرقونها ويبنون عليها مستوطنة مجدليم وغيرها.. هم الذين يجب ترحيلهم".

ويطالب الاحتلال أهالي قصرة بإثبات ملكيتهم لأرضهم، ويردون بأنهم توارثوها عن أجدادهم، كما أن إثبات الملكية يتطلب وثيقة تسمّى بـ"إخراج قيد" من سلطات الاحتلال بحكم سيطرتها على المناطق "ج"، وهي لا تمنحها للفلسطينيين.

وتتجه أطماع الاحتلال -إضافة لحماية المستوطنين- إلى وضع يده على المنطقة بأكملها، لمد بنائه الاستيطاني في مستوطنة "مجدليم"، والتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين.
 
منازل مأهولة
وأغلب المنازل التي يبلغها الاحتلال بالهدم مأهولة، ومنها بيت عائلة المواطن نسيم أبو ريدة الذي أقيم عام 1981، أي قبل إنشاء مستوطنة مجدليم بعامين، ولا يبعد سوى بضعة أمتار عنها.

وتقدّر مساحة بلدة قصرة بنحو 10 آلاف دونم (الدونم= 1000 متر مربع)، بينها 5800 مصنف مناطق "ج"؛ أي خاضعة لسيطرة الاحتلال ويحتاج البناء فيها لتصريح منه، وما يسمح للفلسطينيين بالبناء فيه هو المخطط الهيكلي للقرية والمقدّر بحوالي 3500 دونم.

وتستبيح 5 مستوطنات إسرائيلية أراضي قصرة، ولا سيما مستوطنتي "مجدليم" و"ييش كودش" اللتين تستوليان على 2500 دونم من أرضها.

كما أن اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال سوية أدت إلى استشهاد 4 من أبناء البلدة خلال السنوات العشرة الأخيرة، آخرهم قبل 5 أشهر، وتسببت بإعاقة نحو 30 من أبناء القرية، إضافة لقلع مئات الأشجار. وتوثق ذلك جدران المجلس البلدي التي تحولت إلى شاشة عرض لانتهاكات الاحتلال ضد القرية.

 وتجثم مستوطنة مجدليم فوق ما يزيد على 1200 دونم، وهي التي بدأت ببضعة دونمات حين أُنشئت عام 1983، ثم تدرجت حتى استولت على معظم أراضي المنطقة، تماما كما تفعل الآن بأرض عائلة محمد عقل المحاذية لها.

فمن أصل 4 قطع تملكها العائلة في منطقة "رأس القناة" حيث تقام مجدليم، وضع الاحتلال منذ 6 أشهر يده على إحداها، فخلع عشرات أشجار الزيتون وجرَّفها ليحولها لجرداء قاحلة، وأحاطها بسياج شائك لمنع الدخول إليها تمهيدا للبناء الاستيطاني عليها.

ويستطيع أي زائر لقصرة ملاحظة البناء الاستيطاني الضخم في مستوطنة "مجدليم" يمينا، أما يسارا فقد بنيت منازل الفلسطينيين تحت الخوف والإخطارات التي تهددها وتمنع أي تجديد فيها.

 تقسيمات أوسلو
ويقول رئيس بلدية قصرة محمد جابر: "منذ 6 أشهر لم تتوقف عملية التجريف والبناء داخل مجدليم لعشرات الوحدات السكنية الجديدة، بينما يمنع أهالي القرية وتُداهم مناطق البناء وتُصادر الآليات وتُغرّم بآلاف الدولارات، ولهذا مد بعض السكان شبكات المياه لمنازلهم سرا بعد بحفرها يدويا".

ومنذ 2009، تلقى أهالي قصرة ما يزيد على 80 إخطارا بالهدم ووقف بناء منازلهم، وهناك أكثر 200 منزل يهددها الهدم حاليا. ولا يجد الأهالي سبيلا إلا البناء في المناطق المصنفة "ج". كما يقول رئيس البلدية "لأنها أرضهم ولا مكان لهم سواها"، ويضيف أن التقسيمات "أ، ب، ج" احتلالية لابتلاع الأرض الفلسطينية، في إشارة لاتفاق أوسلو.

والخطير -وفق جابر- أن الاحتلال وضع يده على مناطق بأكملها دون الإخطار بذلك، كحال أراضي جبل "باسلطة" جنوبي القرية، ومساحته 600 دونما.

ويحاول المجلس المحلي مساعدة المواطنين، فيتبنى الدفاع عنهم ميدانيا وقانونيا عبر الجهات الحقوقية المختصة، وتوثيق اعتداءات المستوطنين، ومساعدتهم ماديا بتغطية تكاليف استخراج الأوراق الرسمية التي تثبت ملكيتهم للأرض.

ولا فرق عمليا بين الإخطار بوقف البناء أو قرار الهدم، بتأكيد قاسم عواد مدير النشر والتوثيق بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة رسمية فلسطينية)؛ فوقف البناء تمهيد للهدم ولكنه يستبقه بمسوغات يدّعي الاحتلال أنها قانونية، كعدم الترخيص أو البناء في مناطق "ج" أو غير ذلك.

عاطف دغلس- جانب من مستوطنة مجدليم يمينا حيث البناء وحركة الاستيطان نشطة ويسارا حيث منازل قصرة التي يتهددها الاحتلال بالهدم - الضفة الغربية -نابلس- قصرة- الجزيرة نت 1شارع يفصل منازل قرية قصرة المهددة بالهدم عن مستوطنة مجدليم (يمينا) حيث البناء وحركة الاستيطان نشطة (الجزيرة)
معازل الضفة
ويقول عواد للجزيرة نت إن الاحتلال يستخدم هذه الأساليب بشكل ممنهج لتنفيذ عمليات الهدم والتهجير القسري للفلسطينيين، وحصر وجودهم داخل مناطق "أ" الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، لصالح تثبيت نحو 700 ألف مستوطن بالضفة الغربية والقدس.

وخلال 2021، أخطرت إسرائيل -بحسب عواد- 700 منشأة فلسطينية بين زراعية واقتصادية وسكنية بوقف البناء، وهدمت 900 أخرى، بينها 320 منزلا، مقابل إقرار بناء 3 آلاف وحدة استيطانية، وبدء تشييدها استكمالا لمشروع تحويل الضفة الغربية إلى مناطق معزولة عن بعضها.

المصدر : الجزيرة