التعديلات الدستورية واستبعاد الارادة الشعبية




رغم كثرة الآلام والمواجع، إلا أن أسوأ ما في المشهد الآن هو التعديلات الدستورية المستمرة في وتيرة متسارعة نحو مزيد من إستبعاد الإرادة الشعبية عن السياسة والأمن والدفاع وعن كل مفاصل الدولة فعليا.

السخف المتمثل في تعديلات اللجنة القانونية لمجلس النواب على ما وردها لا يغير من الحقيقة شيئا، في النهاية هناك مجلس يراد إنشاؤه للسياسة الخارجية والأمن والدفاع، لن يكون للحكومات ولا لمجالس النواب عليه أية رقابة ولا تشريع ولا سلطة ولا يحزنون.. ولا عزاء لمزاعم الديمقراطية ومبادئ أن الشعب مصدر السلطة وتلازم السلطة مع المسؤولية، ولا عزاء أيضا لشعب غارق في تفاصيل آلامه الصغيرة وغافل -أو مستغفِل- عن جذور بلاءاته الكبرى.

عبد المنعم العودات رئيس اللجنة القانونية بالمجلس -وأحد أبطال الهوشات فيه- زعم في مؤتمره الصحفي أن أعمال هذا المجلس المستحدث ستخضع للرقابة النيابية طالما لن يكون الملك رئيسا لهذا المجلس..

ولنا مع هذا الكلام وقفتان:

أولا: لا يوجد في تعديلاتكم العبثية المقترحة أية آليات دستورية للرقابة على هذا المجلس وأعماله وميزانياته، بخلاف الحكومات التي يحدد الدستور والقانون أدوار المجلس النيابي تجاه أعمالها وميزانياتها. والمفروض بالتالي أن تكون لها وحدها كامل الصلاحيات التنفيذية في الكبيرة قبل الصغيرة.. أما مجلس الأمن القومي هذا فلا آليات منصوص عليها تتيح لأحد مراجعة ما يفعل..

ثانيا : يبدو أنه حسب "تحسينات" العودات على تعديلات الدستور المقدمة فسوف يترأس "مستر إكس" هذا المجلس ولن يتحمل هذا "المستر إكس" أية تبعة أو مسؤولية أمام أي أحد عما سيفعل بنا!!

المقصود أن الهروب من مقترح ترؤس الملك المصان بالدستور من التبعة والمساءلة إلى ترؤس المجهول ليس حلا لأي شيء ..وكأنك يا أبو زيد ما غزيت..

الحكومات المنتخبة الخاضعة للرقابة الشعبية المدسترة هي الجهة الوحيدة في دول العالم المحترمة التي لها الولاية العامة على سياسة البلد وأمنه ودفاعه وعلى التعليم والصحة والاقتصاد وكل أشكال ممارسة السلطة التنفيذية لأدوارها.. وكل ما سوى هذا الكلام هو لفلفة وخداع سخيف لا يمر إلا على من يبحثون أساسا عن حجج لإعادة التسحيج من جديد في قوالب متطورة!!!

الذين يعيبون علينا الحديث عن صلاحيات الملك ويشعروننا أن الملك "ما بيمون" على أركان الدولة العميقة الذين يقال أنهم يحاربون الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده الملك... الخ...

بصراحة حاولت أقتنع بهذه الرواية بكل جهدي سابقا، ومرت كثير من المحطات وأنا أحاول تطبيق هذه الرواية على الواقع ، ثم أصبحت متأكدا أن أصحاب هذه الرواية يتحدثون عن بلد آخر ... وأنا أدعوهم للعودة للأردن ،، داعيا لهم بسلامة الوصول إلى أرض الوطن بعد طول غياب.

الإصلاح الديمقراطي - مهما تدرجنا فيه- يعني بكل بساطة الاقتراب نحو جعل الشعب مصدر السلطات ، ولا أعرف كيف يمكن فهم أن مزيد من تركيز الصلاحيات بيد الملك (من خلال تعيين مسؤولين أكثر) سيكون من الممكن تسميته إصلاحا ديمقراطيا!!!

إن صلاحيات الملك هي العائق أمام الإصلاح، سواء تلك التي ينص عليها الدستور أو تلك التي يساء إليه الآن بطلب إضافتها له، أو تلك المساحات من الصلاحيات التي تتركها الحكومات الهزيلة فيحتلها أعداء الحرية من قوى الدولة العميقة....

وإن #الملكية_الدستورية المقيدة هي ما ينبغي التحرك نحوه لو كانت هناك نية جادة نحو الإصلاح... وهذا ليس واردا لدى القوم وليست له روافع شعبية كافية في المنظور...