إعادة كتابة التاريخ

 


 
يقول الدكتور عصام السعدي، عميد معهد المشرق للدراسات الاستراتيجية في تقديمه لكتاب " ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية " الذي جاء على اتساع ثمانية عشر صفحة، اقتبس منها الفقرات التالية :

" أزعم ومن خلال تجربتي في إعادة كتابة تاريخ الحركة الوطنية الأردنية منذ عام 1921 ولغاية 1967 م، أن الباحث الذي يتصدى لإعادة كتابة تاريخ الشعب الأردني، وخاصة في فترة تأسيس دولة الإمارة الأردنية، ستعترضه عقبات غاية في الصعوبة والتعقيد، لأنه بعمله هذا يقوم بتصحيح الرواية التاريخية ووضعها في سياقها الصحيح، ما يعني نسف الرواية التاريخية التي تبناها وأسس لها عدد من، ( المؤرخين ) الرسميين، وبضمنهم معظم الأكاديميين في جامعاتنا الرسمية.

إن نسف الرواية التاريخية من قبل الباحثين الجدد أمثال الدكتور عبد الله العساف، والدراسات الأدبية التاريخية الوطنية، يثير نقمة ( المؤرخين ) الرسميين من باب دفاعهم عن مواقفهم التاريخية، التي ادعت الموضوعية من جهة، والحقيقة التاريخية من جهة ثانية، وهي من كل ذلك براء.

جاءت دراسة الباحث المقدام الدكتور عبد الله العساف، ( ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية 1923 م )، في إطار التأسيس لقراءة نقدية جديدة، للأدب التاريخي الوطني الأردني، ووضع الأحداث التاريخية في سياقاتها الصحيحة، من خلال منهجية ورؤية وطنية لتاريخ الشعب الأردني.

تلك الرؤية التي جرى التآمر عليها وطمسها عمدا منذ أكثر من نصف قرن، عندما بدأت هذه الدراسات الرسمية بالظهور، الأمر الذي يضعنا أمام مؤرخين جدد، امتلكوا الانتماء الوطني والجرأة والشجاعة البحثية، في التصدي لكشف المستور من تاريخنا الوطني.

لقد أعادة دراسة الدكتور العساف الأحداث التاريخية إلى واجهة الأدب السياسي التاريخي من جديد، لتؤسس مع غيرها من الدراسات المشابهة لحركة بحثية جديدة، تعيد الاعتبار لنضالات الشعب الأردني من أجل حياة دستورية وديمقراطية حقيقية. وتؤسس من بعد لإعادة الاعتبار للشخصية الوطنية العروبية الأردنية، التي لم تكن يوما إقليمية أو جهوية أو فئوية، بل عروبية الاتجاه والبوصلة والهدف وما زالت.

إن التصدي لدراسة وكشف التاريخ الوطني للشعب الأردني وقواه الوطنية الحية، مهمة نضالية، تشرّف الدكتور العساف بحملها بأمانة علمية وصدقية وموضوعية وشجاعة وجرأة يُشكر عليها، في وقت أحوج ما نكون فيه لهذه الدراسات، لنؤسس ونعيد الاعتبار إلى الكرامة الوطنية.

فلا يمكن لأبناء الوطن الشعور بالكرامة الوطنية والاعتزاز الوطني، من غير التعرف على تاريخهم الوطني المجيد، ومواجهة حالة الضياع والاغتراب التاريخي التي يعيشها أبناء الوطن، وخاصة الأجيال الجديدة التي تعاني من التجهيل والتهميش . . ".

* * *
التعليق : إن الجهد المميز الذي قدمه المؤلف وما جاء في مقدمة الدكتور السعدي، يستحق أن يدرس بعناية للتعرف على جانب من تاريخ الأردن، في مرحلة معين من بناء الدولة الأردنية. فقد أورد الكاتب جميع الاحداث بتوثيق ممن عايشوا تلك الأحداث أو كانوا قريبين منها أو كتبوا في مذكراتهم عنها.

وإذا كانت دراسة التاريخ تدلنا على طبيعة الأحداث التي وقعت في الوطن، ولماذا وكيف حدثت وما هي نتائجها، فإنما تعطينا دروسا لنستفيد منها ونتجنب أخطاؤها، ثم نعظّم فوائدها في ممارساتنا المستقبلية من أجل رفعة الوطن.

ومع كل ما جاء في هذا الكتاب من تدوين حقيقي لتاريخ الأردن قبل قرن من الزمان والذي يجب ان يقرأه كل أردني، نجد أن الحكومة تحارب المؤلف في رزقه وتمنع توظيفه، وتحدّ من تسويق كتابه، بدل أن تشجعه وتعطيه جائزة تقديرية، ولا تقف حجر عثرة في طريق توظيفه في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة، التي تعجّ بالمدرسين الأجانب، وتجعله يفكر بالهجرة من البلاد.

من المعروف، أن المؤرخ لا يصنع التاريخ، وكل ما يُطلب منه أن ينقل الاحداث بأمانة ويحللها ويعلّق عليها بصورة علمية محايدة. وإذا كان ما حدث في الماضي فات زمانه ولن يعود مجددا، حيث أصبح جزءا من التاريخ المكتوب شئنا أم أبينا، فلماذا يتم التكتم عليه وحرمان المواطنين من معرفته ؟ فالدول الواثقة من نفسها وقوة نظامها، تعتز بتاريخها وتعلمه لشعوبها مهما احتوى من أحداث.

ختاما، أرجو الله أن يهدي المعنيين، ليعيدوا النظر بهذا الموضوع، ويعملوا ما فيه خير الوطن والمواطنين . . !