لغة الحوار!



أرجو أن نكون متفقين على أن الأردن يعيش مرحلة انتقالية حاسمة من الناحيتين الزمنية والسياسية، وهو يخطو نحو مئوية ثانية من عمر الدولة، ويعيد صياغة منظومته السياسية لتكون منطلقا لتعديل منظوماته الاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية، آخذا في الاعتبار التطورات المحيطة به، والتوازنات الإقليمية والدولية التي هي أقرب إلى صراع المصالح منها إلى الانسجام على قاعدة الأمن، والتعاون، والسلام، والاستقرار.


تبدو الأجواء مشحونة بالمآسي والآلام التي عشناها على مدى سنوات طويلة منذ غزو العراق، وما تلاه من كوارث الربيع العربي التي ما تزال تتفاعل حتى الآن محطمة البنية والنسيج لدول بأكملها؛ فأي حوار يمكن أن يجمع الأقطاب السياسية المتصارعة من أجل الفوز بالسلطة على أشلاء أوطان مدمرة بائسة؟


الأردن الذي وقف على أرضية صلبة وهو يتعامل مع الشرر المتطاير من حوله، تمكن من تجاوز كل المراحل الصعبة التي عاشتها المنطقة، وتحمل فوق طاقته تبعات تلك الحروب والأزمات، وحمى أمنه الداخلي، وحصّن حدوده في وجه الإرهاب، وكل محاولة استهدفت اختراق منظومته الأمنية والعسكرية، وفضلا عن ذلك استطاع أن يوفر الحماية والرعاية لمئات الألوف ممن آووا إليه، وحدد موقفه من ذلك كله على أساس وحدة تلك الدول الوطنية والترابية، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها، وفي خيارات شعوبها، والأنظمة التي تتوافق عليها.


الأحداث والتطورات بطبيعتها تفرض مراحل لا بد منها أثناء كل صراع وبعده، وها هي أطراف الصراعات تجلس على طاولات التفاوض، وربما المساومات، تبحث عن لغة مشتركة تستطيع من خلالها تحديد القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى حوار موضوعي، وكلما طال أمد فقدان تلك اللغة طال أمد الصراع!


لسنا في موقع المقارنة أبدا بين حواراتنا الوطنية وبين ما يجري من حولنا أو بعيدًا عنا، ولكن الأجواء المشحونة والأفكار المسبقة ما تزال تطبع جانبا منها بالتعصب للموقف الشخصي، وتتجاوز أحيانا حدود اللياقة السياسية إلى العصبية والعنف، وذلك على حساب الشأن العام الذي يتمثل في فهم طبيعة التغيرات والاستحقاقات الواجبة لتطوير منظومتنا السياسية وتحديثها، من خلال قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب، والتعديلات الدستورية التي يناقشها مجلس النواب.


من الطبيعي أن تختلف الآراء، بل من الضروري أن تختلف ضمن مفهوم الرأي والرأي الآخر، والنقاش حول الجوانب القانونية، والتعبيرات الدقيقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنصوص الدستورية، ولكن الأهم هو الاتفاق على تحقيق المصالح العليا للدولة، والعوامل والعناصر التي تزيد من قوة الدولة، ومتانة بنيتها السياسية، وكيانها الوطني، وضمان تقدمها، وقدرتها على تحقيق طموحات شعبها ومستقبل أجيالها.


لغة الحوار الإيجابي الراقية ليست خيارا شخصيا، يلتزم بها من يشاء، ويتخلى عنها من يشاء، عندما تكون الغاية منها تنظيم الشؤون العامة، وتطوير أدوات سلطات الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة وأدوارها، وتعزيز مكانتها في محيطها الإقليمي والعالمي، ونحن بطبيعتنا وبحسب منظومة القيم التي تجمعنا قادرون على الالتزام بتلك اللغة التي نستطيع بها مناقشة قضايا بلدنا وشؤونه بما يستحقه، ونستحقه أيضا، من مسؤولية وتقدير واحترام.