فنون في التحايل على قانون التربية والتعليم؛ تأجيل الفصل الثاني انموذجا
واحدة من أسوأ عمليات الاستغفال التي تمارسها علينا الحكومة هي تحايلها المتكرر والمتزايد على قانون التربية والتعليم الذي يحدد عدد أيام الدوام لطلبة المدارس في كل عام دراسي. وهنا سأترك التدقيق في التقويم السنوي الذي تعلنه الوزارة قبل بداية كل عام والتجاوزات "بالعقل" التي اعتدناها على هذا العدد القانوني من الأيام ..وسأكتفي بالتركيز على ما جرى هذا العام الدراسي.
أقدمت الوزارة على تقليص دوام الفصل الأول ثلاثة أسابيع تحسبا لتفشّ محتمل للوباء مع بداية فصل الشتاء، وعدلت التقويم السنوي، وزعم المسؤولون حينها أن عدد أيام الدوام سيظل دون مساس، ويمكن لأي متابع المقارنة بين التقويمين ومعرفة أنه لم تتم زيادة ثلاثة أسابيع للفصل الدراسي الثاني كبديل..
الأسوأ وقع بالأمس، عندما وجدت الوزارة أنها مضطرة لتأجيل بدء دوام الفصل الدراسي الثاني تحت وطأة تزايد الإصابات وتفشي المتحور الجديد ، فتمّ اقتصاص ثلاثة أسابيع أخرى من العام الدراسي ليصبح مجموع ما تم إنقاصه من العام الدراسي ستة أسابيع كاملة، وعوضا عن ذلك تضيف ما لا يزيد عن أسبوع واحد لنهاية العام (بالقياس لتقويم الأعوام السابقة لكورونا) وزيادة دوام بضعة أيام سبت.
إننا أمام أسبوعين بدلا من ستة أسابيع ...
وأمام اعتياد مؤسف للتضليل بالقول إننا حافظنا على عدد أيام الدوام الرسمي للعام الدراسي.. يبدو أن المسؤولين يستندون للظنّ بأن معظم الناس لا يعرفون أن هذا خرق تمارسه الحكومة للقانون وهي المفترض فيها أن تحمل الناس على تطبيق القانون حتى لو بالقوة حيث يلزم.
كما أن هؤلاء المسؤولين يستندون أيضا لحالة تطبيق قانون الدفاع الذي يفهمون منه أنه إلغاء فعلي لجميع القوانين ولكل المصالح العامة التي تمثلها تلك القوانين.
قلنا مرارا إن تفعيل قانون دفاع في مواجهة وباء هو جريمة أخلاقية وحول في التفكير. وتجر وراءها ويلات لا تنتهي في كل المجالات.
كمعلم منذ اثنين وعشرين عاما، وكمشرف أكاديمي منذ خمسة أعوام، أدرك تماما حجم الكارثة على التعليم التي يعنيها شطب صافي أربعة أسابيع كاملة من عام دراسي، خصوصا في ظل مقررات دراسية جديدة ودسمة خصوصا في مواد العلوم والرياضيات. ولكن يبدو أن متخذي القرارات عندهم محددات ودوافع غريبة على الميدان التعليمي بحيث تصدر قراراتهم دوما عوجاء وبعيدة كل البعد عن الواقع وأوجاع المعلمين والطلبة على السواء.
لست ضد اتخاذ إجراءات للحد من انتشار الوباء، وكان يكفي أن يتم تعويض الأيام المنقوصة في نهاية العام بكل أمانة ودون دهلزة وتذاكي في الكلام واستناد إلى أن الجمهور لا يشعر مباشرة بهذا الوجع مثل لقمة العيش، لكن أي مختص أو متابع يعرف تماما أننا سنكتوي جميعا بنار ذلك التقليص للدوام كلما احتاج أبناؤنا في سنينهم القادمة لمعارف ومهارات سيرون أن حكوماتهم حرمتهم منها على شكل استهبال وبسبب الفشل الكامل في إدارة ملف وباء كورونا.