تربويون ينتقدون تأجيل الفصل الدراسي الثاني: الحكومة تحمي مصالح الأغنياء، والحكمة غائبة!



خاص - أثار قرار وزارة التربية والتعليم تأجيل بدء الفصل الدراسي الثاني ثلاثة أسابيع، واستثناء المدارس التي تعتمد البرنامج الدولي من هذا القرار، استياء واسعا، لما كشف عنه القرار من انحياز حكومي لأبناء المتنفذين والذوات والمسؤولين وأصحاب رأس المال، على حساب الفقراء من أبناء الوطن الذين يدرسون في المدارس الحكومية والخاصة.

وأكد تربويون أن قرار تأجيل بدء الفصل الدراسي الثاني خاطئ وسيؤثر سلبا على طلبة المدارس الحكومية تحديدا، لكونهم يفتقرون أصلا للتعليم النوعي وتحوّلوا لحقل تجارب للتعليم عن بعد واختصار العام الدراسي وغيرها من الأساليب، وأصبح مستقبلهم التعليمي في مهبّ الريح في ظل السياسات التربوية المتخبطة التي تغامر بمستقبل جيل بأكمله.

وطالبوا الحكومة بالتراجع عن القرار ليتمكن الطلبة من العودة إلى مدارسهم في الموعد الذي المحدد سابقا، مؤكدين رفضهم السياسة التي تنتهجها الحكومة وعنوانها "من يملك المال يملك حقّ التعلم" مقابل حرمان أبناء الفقراء من حقهم الدستوري في التعلم وفتح المجال لأبناء الذوات لإعداد أنفسهم كمسؤولين من خلال السماح لهم بالدوام بالمدارس التي تعتمد النظام الدولي.

بركات: الحكمة غائبة!

وأكد الخبير التربوي، الدكتور صالح بركات، أن قرار الحكومة لم يكن حكيما، وكان الأجدر بوزارة التربية والتعليم أن تدافع عن حقّ الطلبة بالعودة إلى مدارسهم في بداية الفصل الدراسي الثاني، سيّما وأن الطلبة خسروا أسبوعين أصلا من الفصل الدراسي الأول الذي جرى انهاؤه مبكّرا، مشددا في ذات السياق على أن "التعليم ليس رفاهية، وإنما هو حقّ وواجب"، وكان الأولى بالوزارة -باعتبارها الجهة صاحبة الولاية- توفير البيئة المناسبة من أجل ضمان حقّ الأطفال في التعلّم ضمن أي ظرف، وأن لا تلجأ للتأجيل ولا تعتبر المدارس "الحلقة الأضعف" التي تستطيع تعطيلها في أي وقت.

وأضاف بركات لـ الاردن24 إن هناك العديد من النقاط التربوية التي تثبت غياب الحكمة عن هذا القرار، ومنها:

- أولا، ثبت احصائيا أن المدارس في الأردن ليست بؤر انتشار، فالحالات تزيد رغم عطلة المدارس، وهذا نتاج سياسات صحيّة مرتبكة وضعيفة وغير منضبطة.

- ثانيا، كان الطلاب في المدرسة أكثر التزاما وأكثر أمانا بالاجراءات الاحترازية مقارنة بالالتزام خارج المدرسة، سواء كانوا في البيوت أو الأسواق أو النوادي أو الملاعب أو الشوارع.

- ثالثا، يجب أن نعرف كيف قدّرت وزارة التربية والتعليم أن الوضع الوبائي في منتصف شباط سيكون أفضل؟ وهل هناك وعد -مثلا- من الفيروس أنه سينحصر بعد منتصف شباط؟! والنقطة الأهم، كيف تنصّب وزارة التربية والتعليم نفسها مسؤولة عن الجانب الصحي الذي هو من مسؤولية واختصاص وزارة الصحة ولجنة الأوبئة؟!

ولفت بركات إلى أن لجنة التخطيط في وزارة التربية والتعليم هي من تقدّمت إلى وزارة الصحة بقرار التأجيل، وهذا ما لم يكن يُفترض أن يحدث، نظرا لكون وزارة التربية يجب أن تكون مدافعة عن حقّ التعلّم ومؤكدة على أن المدارس ليست بؤر انتشار وباء.

وأضاف: "أعتقد أن الوزارة اخطأت خطأ كبيراعندما سمحت لـ (12) ألف طالب في المدارس الخاصة والبرامج الدولية بأن يبقوا على مقاعد الدراسة"، متسائلا فيما إذا كانت هذه رسالة بأن التعليم أصبح طبقيا في الأردن وأن من يملك المال يستطيع أن يتعلم ويبقى على تواصل مع المدرسة، ومن لا يملكه سيبقى في بيته وسيكون عرضة لخيارات التعلم عن بُعد وغيرها من الخيارات الأخرى المختلفة؟!

وتابع بركات: "الأمر المهم الآخر، عندما يعود (153) ألف طالب في الثانوية العامة إلى مقاعد الدراسة، هل سيكون هؤلاء بعيدين عن الفيروس، فيما سيكون الفيروس قريبا من طلبة الصفوف الأولى، الذين يقدّر عددهم في الصفّ الأول بـ(200) ألف طالب؟! لقد كان الأولى عودة طلبة رياض الاطفال والصفوف الأولى إلى مدارسهم قبل غيرهم، سيما وأن طالب التوجيهي لا يعتمد على المدرسة إلا بنسبة (10%)، فالأولى أن يعود طلاب الصفوف الأولى ورياض الاطفال".

وأكد أن الأضرار المترتبة على قرار وزارة التربية كبيرة جدا، خاصة ونحن نتحدث عن فاقد تعليمي كبير من الأعوام السابقة نتيجة التعلم عن بُعد.

وفي السياق، أشار بركات إلى أن (400) ألف طالب لم يدخلوا إلى منصة التعليم الالكتروني بشكل كامل أو جزئي، مما خلق فاقدا تعليميا كبيرا لديهم، بالاضافة إلى عدد كبير من الطلبة الذين كانوا يدخلون المنصة دون تفاعل، ما أحدث فجوة تعليمية كبيرة.

ولفت إلى وجود دراسات أثبتت أن الطلبة فقدوا ما نسبته (9%) من الدراسة، فكان التعليم على حساب الجودة، وهذا يعني أن جودة التعليم لم تكن بالشكل الصحيح.

وشدد بركات على أن "الجائحة التعليمية أخطر من جائحة كورونا، حيث كانت نسبة فقر التعلم في الأردن عند (53%) بحسب تقرير البنك الدولي الذي قال إن التعلم عن بعد وأزمة كورونا زادت هذه النسبة بمقدار (10%)، بمعنى أنها أصبحت عند (63%)"، مبيّنا أن فقر التعلّم يعني عدم قدرة الطالب في الصفوف الثلاثة الأولى على قراءة نصّ قصير قراءة صحيحة أو فهمها فهما جيّدا، وهذه مشكلة ستتراكم نتيجة غياب الطلبة عن المدرسة لمدة شهرين تهدد دافعية الطلاب للرغبة بالتعلم.

وتابع بركات: "لا بدّ من التنويه أيضا إلى مشكلة الطلبة الذين يداومون بنظام التناوب، فمجموع الأيام التي انتظموا فيها بمدارسهم هي (40) يوما من أصل (95) يوما، ما يعني أن تمسك الوزارة بنظام التناوب يُبقي المشكلة قائمة"، لافتا في ذات السياق إلى أن الوزارة لجأت إلى "نظام التناوب" نتيجة عدم امتلاكها العدد الكافي من المعلمين والمدارس؛ الوزارة تحتاج إلى (10) آلاف معلّم ونحو (1000) مدرسة، كما أن الوزارة لا تلتزم بالخطة الاستراتيجية التي جرى وضعها ببناء (60) مدرسة سنويا، وتكتفي ببناء أقلّ من (20) مدرسة ولا تكون من موازنة الوزارة بل من المشاريع الدولية.

وحذّر بركات من أن دفع الطلاب خارج المدرسة سيجعلهم عرضة لعمالة الأطفال، وبالتالي فقدانهم الدافعية للتعلم، خاصة الأسر المحتاجة والطلاب الذين لديهم ضعف، وكان الأولى بالوزارة أن تعتبر قضية العودة إلى المدارس أمرا مصيريا، وأن يعودوا في 15 كانون ثاني وليس 1 شباط، وأن لا تنتظر كلّ هذه الفترة.

دعاس: الحكومة تدافع عن مصالح الأغنياء!

من جانبه، قال منسّق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة / ذبحتونا، الدكتور فاخر دعاس، إن قرار الوزارة كان مرتبكا منذ البداية، حيث أُعلن بداية عن كونه قرارا، ثمّ عادوا وقالوا إنها توصية، وأخيرا خرج القرار باستثناء المدارس التي تعتمد البرنامج الدولي.

وأضاف دعاس لـ الاردن24 إن القرار جاء على خلفية حالة وبائية آنية، ويجب أن لا تنعكس على القرارات، فالاصابات زادت في الأسبوع الحالي رغم أنها انخفضت في نهاية شهر كانون أول، مشيرا إلى أن نسبة اشغال المستشفيات انخفضت (60%)، بالاضافة إلى انخفاض عدد المرضى الموجودين على أجهزة التنفس بنسبة (10%).

وأكد دعاس أن تأجيل بدء الفصل الدراسي الثاني ثلاثة أسابيع غير مقبول، وهي مدة طويلة، ويعبّر عن استخفاف بالعملية التعليمية، خاصة وأنه لم يكن هناك مراعاة للانهاء المبكر للفصل الأول الذي بدأت الامتحانات فيه بتايخ 8 كانون أول وانتهت في 28 كانون أول، وهذا يعني أن هناك فترة طويلة لم يكن بها تدريس وهناك أيام مفقودة أثناء الدوام المدرسي؛ ثلاثة أسابيع في بداية الفصل وثلاثة أسابيع أخرى في الفصل الدراسي الثاني، أي أن نصف الفصل الدراسي يعتبر ضائعا، ولا ننسى أننا مقبلون على شهر رمضان والأعياد وغيرها.

واختتم دعاس حديثه قائلا: النقطة الأخرى الأهم، عندما تم اعلان استثناء طلبة الثانوية العامة والبرامج الدولية والتي يدرس بها أبناء المسؤولين والمتنفذون والأغنياء، فإن هذا عكس حرص الحكومة على مصالح الأفراد الشخصية من وزراء ومسؤولين وأبناء الذوات، وهذا خطير جدا..