تحت عُنوان"السُلطة التشريعيّة: ما بين الهدم والبِناء."



لقَد ملَّ الشَّعبُ الأُردنيّ مِن كُثرةِ محاولاتهِ المُفشَّلة، التي هدفَت لإصلاحِ المجالِس النيابيّة، التي تضّمَن لهُ الوصول إلى حكوماتٍ برلمانيّة، ضمنها لهُ الدّستور، بل كانَ منطوق الدّستور في المادّة الأولى منه أنَّ "نظام الحُكم في المملَكة، نيابيٌّ، ملكيٌّ، وراثيّ" . فكُلّ هذه المُحاولات كانَت، دائمًا، ما تصطَدم بمَن يُريد، قصدًا، أن يُعطِّل الدّستور ؛ طمعًا بسُلطةٍ أكبَر مِن السُلطة التي يتمتَّع بها . ولذا، فقَد أُفشِلت كُلّ المُحاولات الوطنيّة الرّامية لإنعاشِ السُلطة التشريعيّة، خاصةً، بعدَ أن أدركَت الكثير مِن الشخصيّات الوطنيّة، بأنَّ هذهِ المُحاولات، ما هي إلّا مُحاولات لإعادَة الرُّوح لجُثّةٍ استهلَكت كُلّ عوامِل البَقاء.


سيقول البَعض، بأنَّ هُناكَ أعداء كُثُر للأُردن، أعداء يُريدونَ أن تكون السُّلطة التشريعيّة التي تُمثِّل الشَّعب، بعيدةً عَن أيّ دورٍ تشريعيّ أو رقابيّ مُناط بها، وأنّهُم، أي الأعداء، لا يُريدونَ أن تكونَ وظيفة هذه المجالِس ؛ سوى الوظيفة الخدميّة، بمعنى، أنّ تُجرَّد مِن أيّ صلاحيّة يُمكِن أن تُعطِّل، مُستقبلًا، أيّ مشروعٍ سياسيّ يُرادُ بهِ اللَّعب على الوطَن، في سبيلِ تحقيقِ "مصالحٍ سياسيّة قذِرة" لبعضِ الطارئينَ على الأُردنّ وتاريخهِ العَريق. لكن، أنا هُنا، أقول بأنَّهُ حتى وإن كانَ هناكَ دور للأعداء في كُلّ ما يحصُل في الوطن، إلّا أنَّني لا أعتبِر هذا، هو السّبب الرئيسي للإنحِطاط السياسيّ الدّاخليّ، والتّهميشِ الإقليميّ للأُردن بعدَ أن كانَ هو "حجَر الزّاوية" في السياسية الإقليميّة . ومِن هُنا، فإنَّ أهداف تّعطيلِ "السُلطة التشريعيّة" تكمُن في توسيعِ رُقعَة السُلطة لجائعي السُلطة، ولمُحاربي كُلّ إصلاحٍ في الدّاخِل، على الرُّغمِ مِن تغنّيهم بالإصلاحِ في كُلّ محفلٍ سياسيّ أو اجتماعيّ .لكن، مِن الواضِح بأنَّ ما هذا إلّا اجترار لعواطِف النّاس.

وعلى ضوءِ ما تقدَّم، نقول، بأنَّ الدّولة التي تُنمّى فيها السُلطة على حسابِ الإنسان، هي دولةٌ لم ولَن تعرِف الاستقرار في أيٍّ ممّا تتمثَّل بهِ، أو يتمثَّل بها . لذا، فإنَّ ما نشهدهُ الآن، مِن سقوطٍ مدوٍّ للدّولة، بمفهومها العام، ما هو إلّا نتيجة طبيعيّة، لتنازُع عليَّة القوم على السُلطة، أو الأصَح، على مغانِم السُلطة ؛ لأنّهُ لو كانت السُلطة بلا مغانِم - ويندُر حصول هذا- لما رأيتَ واحدًا يُقاتِل في سبيلِ تمكُّنهِ وتمكينه مِن السُلطة.

وهذا يؤكِّد على أنَّ الجلسات النيابيّة، المحدودة، التي عُقدَت تحتَ القُبّة، لإقرار "التّعديلات الدّستوريّة"، لم تهدف إلّا لتسخيفِ المجلِس، أكثَر مِمّا سُخِّف مِن قبلِ الحُكومات السّابِقة، وأكثَر ممّا سخّفتهُ نسبَة الإقتراعِ التي أتَت به.. وهذه المرَّة، اكتَملَت حلقَة الّتسخيف، حيث كانَت على يدِ الأعضاء المُنتمينَ لهُ . إذ لا شكَّ بأنَّ هؤلاء الأعضاء بمَن يسيّرهم، مِن خلالِ عنجهيّاتهم وعنتريّاتهم وشِجاراتهم، التي لا يتشاجرها طُلّاب في صفوفهم الإبتدائيّة، يسعونَ جاهدينَ للقضاءِ على "السُلطةِ التشريعيّة" برُمّتها، وذلكَ بما يظهرونهُ مِن عيوبٍ ذاتيّة، يعكسونها على طبيعة المجلِس النيابيّ، وأنّهُ، أي مجلِس النوّاب، مليئًا بالأعطالِ، وأنَّه هو السّبب، من حيث أنّهُ يمثِّل الشّعب، في تسخيفِ وتقزيمِ الدّولة، وتجريدِ الأردن مِن كُلّ قوّةٍ يتمتَّع بها.

وإذا حدّدنا الأشخاصَ الذينَ يُثيرونَ البلبَلة، في كُلّ جلسةٍ رقابيّة وكُلّ جلسةٍ تشريعيّة، لاتّضحَ لنا، بأنَّ مراكِز صُنعِ القرار، بدعمِها لهؤلاء الأشخاصِ المُحدّدين، لا توفّر جُهدًا في سبيلِ تحقيقِ ذلك..وللتّأكّدِ مما أقول، كُل ما عليكَ القيام بهِ، هو أن تقومَ بمُتابعة لا جلسة يوم أمس فقط، وإنّما كُلّ الجلسات لمجلِس النّوّاب "التاسع عشر"، أو كسبًا للوقت، يكفيكَ أن تقرأ وتفهَم جيّدًا ما قالهُ النائب "فواز الزعبي في إحدى الجِلسات..حيث قال: " أنا من اللي وقعوا على اتفاقية السلام، ولولاها ما كنّا الآن تحت القبّة". وعندها، ستتأكّد ممّا أقولهُ لكَ، وستقرأ الشعبويّات والعنتريّات التي تطلّ مِن وراء جدارِ البرلمانِ المُنهار.

قولِ الزّعبي هذا، ليسَ فقط، تسخيفًا للمجلِس، أو تقليلًا مِن شأنِه، وإنّما هو قولٌ يتضمَّن دلائل ومؤشّرات على أنّ الأردن كُلّها، نعم كلّها، بما فيها الدّولة بسُلطاتها الثلاث، مرهونة للكيانِ الصهيونيّ.

هذا الكلام خطير، بل خطير جدًا، ويدعّم القناعة التي مفادها أنَّ الكُلّ ينحوا نحو السُّلطة، وقبل ذلك، إلى حصّرها بيدِ مَن يرونَ أنّ السُلطة "لا تليق إلّا بهِ" . لذا، فإن كانَ هُناكَ مَن يخاف على الأردن، ومَن تهمّه الأُردن كجُغرافيا ؛ فيَجب عليهِ ألّا يسمحَ لكلام الزّعبي أن يمُرَّ، كمرورِ طائرٍ جريح مِن فوقِ أغصانِ الشَّجر، كما ويجب عليهِ أن يتصدّى لكُلّ ما يتِم تداوله تحت "مجلِس الشّعب" وعن أهمّ سُلطةٍ مِن سلطاتِ الدّولة.

وختامًا...فإنَّهُ يحقّ لنا القول، بكُلِّ مصداقيّةٍ وتجرُّد، بأنَّ المجالِس النيابيّة، التي تُشرِّع وتُراقِب، اليوم، هي ليست مِن مُخرجات الشّعب، وإنّما هي مِن مخرجات النظام السياسيّ بنفسه، وليسَ أدلّ على ذلك مِن نسبة الاقتراع لهذه المجالِس..لذا، فها هي تُدار مِن قبلِ أزلام الدّولة العميقة، ومصانِع القرار الجامدة . وإدارة "الأزلام" و "المراكِز" للمجالِس، توكّد على أنَّ ما يحدث، تحت القُبّة، وما سيحدُث، دائمًا، يرُتّب لهُ بشكلٍ مُمنهج وبطريقةٍ مُدبّرة، وذلك لكي يتِم الحَرث في أرضٍ بعيدة عن الأراضي التي رُميت بها بذور المجلِس النيابيّ، و وظائفه بشقّيها "التشريعيّة" و " الرقابيّة". ، التي لا تلبُث ‏كثيرًا -أي تقدّم لتحقيق مصالح سياسيّة قذرة- إلّا وتُلخبِط كُلّ السلطات العامّة في الدّولة..