المنخفضات الجوية تكشف عيوب الادارة العامة..لا تخطيط ولا تقييم، انفاق باذخ ونتائج كارثية

 

لم نُفاجأ بالثلوج على الاطلاق ، دائرة الارصاد الجوية الى جانب العديد من المتنبئين الجويين الهواة ،اكدوا ان الثلوج ستتساقط بغزارة  في العاصمة عمان ومناطق في شمال المملكة ، وسرعة الرياح ستكون كبيرة ايضا ، بمعنى ان النشرة الجوية والضخ الاعلامي المكثف - الذي كان محل تندر وانتقاد - كان واضحا  ، نحن امام حالة جوية تستدعي قيام الجهات الرسمية  بالتجهيزات والاستعدادات اللازمة  قبل وصول المنخفض العميق ، و هذا يدفعنا قسرا للسؤال  : ما الذي حدث بالضبط مع الجهات الرسمية ؟ لماذا وقعت كل هذه الاخطاء ؟ اين غرف العمليات ؟ لماذا يفشل التنسيق بين الجهات الرسمية دائما ، ويبدأ كل طرف في تحميل الاطراف الاخرى مسؤولية الاخطاء والتقصير و سوء الادارة ؟  

دعونا نلخص ابرز الملاحظات والشكاوى التي جرى رصدها  في اليومين الماضيين: 

اولا:انقطاع التيار الكهرباء  لساعات طويلة في مختلف المناطق وبشكل ينبئ باننا امام معضلة كبيرة ، لها علاقة بعدم الجاهزية والاستعداد ، لها علاقة بسوء الادارة ، لها علاقة بضعف الخبرة ، لها علاقة بتقادم وتأكل البنية التحتية ، لها علاقة بضعف التنسيق ...لا نعرف بالضبط كيف  يمكن ان نفسر ما حدث ، ولكن هذا تقصير كارثي يستدعي بلا شك المحاسبة والمساءلة ، حتى لا يتكرر هذا السيناريو المرعب .. 

ثانيا: البطء الشديد في عمليات فتح الطرق الرئيسية والفرعية من قبل كوادر امانة عمان ووزارة الاشغال ..هذه المرة الاولى التي يستيقظ المواطنون على مناطق مغلقة بالكامل ، الجهات الرسمية اكدت ان الطرق الرئيسية كانت نافذة ، ولكن هذا وان كان فيه مبالغات كبيرة ،فهو ليس كافيا على الاطلاق ، فما قيمة الشارع الرئيسي اذا كانت كافة الطرق الفرعية المؤدية اليه مغلقة بسبب تراكم الثلوج ؟! كيف يمكن ان تصل سيارات الاسعاف للمنازل ؟ كيف يمكن ان تصل كوادر الكهرباء والامانة وغيرها من الجهات الرسمية  الى اولئك الذين قاموا بطلب المساعدة ؟ لساعات طويلة ظلت الطرق الفرعية مغلقة بالكامل الامر الذي يعكس ان الجاهزية كانت اكذوبة كبرى .. 

ثالثا : الانهيارات والانسدادات وسقوط الاعمدة  والاسلاك و شبكات تصريف المياه التي تستحيل دائما وفي كل منخفض  الى نقاط تجمع مياه وكانها شبكات "عيرية" ، كلها تشي بان البنية التحتية في العاصمة عمان ليست بخير ، وان هناك مشكلة بنيوية في تنفيذ التعهدات والاشراف عليها في امانة عمان وفي غيرها من المؤسسات . 

رابعا: التنسيق الغائب بين الجهات الرسمية التي يفترض ان تتعاون وتتكامل امكانياتها في سبيل حل كل هذه المشاكل بكفاءة عالية وبسرعة كبيرة ، دون ان يشعر احد بوجود خلل ما .. كل جهة تشتغل ليقال بانه قد اجادت ، لنصل الى حالة يفشل بها الجميع ، وتسقط بها المنظومة بكليتها.. 

خامسا:انقطاع امداد الناس بوسائل التدفئة ، وتذرع الشركات التي توصل الغاز و السولار بحالة الطرق ، وعدم قيام كوادر الامانة والاشغال بفتح الطرق الفرعية ، ما يعني انقطاع بالكهرباء  وبرد مقيم ، بسبب تقاعس الادارات المالكة لهذه الشركات وعدم شعورها بالمسؤولية و جشع بعضها وخوفهم من تعرض الياتهم لاشكالات بسبب الظروف الجوية ، وهذه كله يحدث بسبب غياب رقابة الجهات الحكومية على هذا القطاع، وحرصهم على المواطن الذي هم موجودون لخدمته  .. 

سادسا واخيرا : واضح اننا لا نتعلم من اخطائنا ولا نستفيد من تجارب الاخرين ، كيف نفشل في كل مرة في تقييم الاداء وتلافي الاخطاء ؟ لا دراسات ولا تخطيط ولا تقييم ولا مراجعات ولا محاسبة ولا مساءلة ، انفاق باذخ ونتائج كارثية ، تراكم الخبرة والتجربة امر ليس موجودا لان الادارات متغيرة ، والكفاءات مغيبة ، والاخلاص ضالتنا الكبرى ..

والسؤال الذي  يتراود الى اذهاننا دائما : لماذا يتراجع الاداء المؤسسي ؟ كيف يسكت المسؤولون عن كل هذا الخراب ؟ لماذا يتحدث رئيس الحكومة والوزراء عن نجاحات وانجازات ،في الوقت الذي لمس الاردنيون جميعا حجم المشكلة وجسامتها ؟ ما سر هذا الانفصال الكلي عن الواقع ؟ ام يظن الرئيس ان هذه الاراء والتغطيات وردود الفعل ايضا حسابات وهمية تستهدف صورة الحكومة و تعتم على انجازاتها ؟!!!  

نعم ، ها نحن ندخل مئويتنا الثانية ،  باختلالات بنيوية في اساسيات كنا نظن اننا قد تجاوزناها تماما ، كيف يعقل ان نتحدث اليوم - بعد مئة عام - عن انقطاعات في الكهرباء والماء و مصادر الطاقة المختلفة ، وتفسخ في البنية التحتية التي تتكشف عورتها في كل منخفض جوي ؟!!
ارحموا هذا الشعب الذي استُنزف تماما ، ورضي بالغُلب، وركب الصعب ،لانه يريد وطن ، فماذا ابقيتم له اليوم من هذا الحلم ؟!!