التوجيه الملكي الاخير.. اقرار بعجز الحكومة واستكمال لعملية نقل ثقل اتخاذ القرار للديوان




الملك وجّه الديوان الملكي للبدء بتنظيم ورشة عمل لوضع رؤية شاملة وخارطة طريق اقتصادية محكمة للسنوات المقبلة، تكون عابرة للحكومات، وتضع آلية -يتابعها الملك شخصيا- للحيلولة دون إعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات كلّما حلّت حكومة محلّ أخرى..

الخطوة الملكية التي تحمل مخاطرة وضع الديوان الملكي في الواجهة، باعتباره من سيُنظّم ورشة العمل وسيختار المشاركين فيها، تعني أن الديوان والملك سيتبنيان التوصيات والخطط والبرامج الاقتصادية التي سيتم التوافق عليها في ورشة العمل إياها، وبذلك يكون هذا البرنامج عابرا للحكومات، وسيتابعان ونقصد هنا الملك والديوان تنفيذ تلك التوصيات، بصرف النظر عن موقف الحكومات القادمة من هذه التوصيات (..)..

الواضح أن هذه المخاطرة جاءت نتيجة قناعة الملك بأن هذه الحكومة -التي قام هو بتعيينها- لا تملك رؤية اقتصادية تمكّنها من تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وتوفير فرص عمل للشباب، وتقديم ما يضمن للأردنيين حياة أفضل. لذلك تعد هذه الخطوة بمثابة اقرار ملكي بعجز هذه الحكومة وسابقاتها عن اجتراح الحلول والخروج من المأزق الاقتصادي الذي نعيش فيه..

إذاً، تم سحب ملف جديد من الحكومة، وهو الملف الاقتصادي، الذي يبدو أن الدولة تخشى منه هو الآخر أن يكون عرضة للتجاذبات السياسية، و ذلك على افتراض أن الأحزاب ستنجح في الوصول إلى السلطة، وهذا الأمر لم يعد مهما على الاطلاق..

ما الذي يمكن أن تقدمه ورشة العمل التي ستحظى برعاية ملكية من نتائج وحلول، ونحن نعرف أن ذات الأشخاص الذين كانوا سببا مباشرا ورئيسيا فيما وصلنا إليه من أزمة و عقم في ادارة الملف الاقتصادي، سيقومون باختيار المشاركين في هذه الورشة، وستتضمن خياراتهم كلّ من كان طرفا وضلعا وله باع طويل في تكريس الاختلالات وتعميق الخراب ومفاقمة الأزمة الاقتصادية في بلادنا؟!!

الحاصل، أن سحب الملف الاقتصادي -هو الآخر- من الحكومة الحالية والحكومات القادمة من جهة، بعد تكليف لجنة اختارها الملك لوضع خارطة طريق للاصلاح السياسي من جهة أخرى، الى جانب التعديلات الدستورية التي نُشرت في الجريدة الرسمية بعدما صادق عليها الملك، كل هذا يشي بأن ثقل اتخاذ القرار قد انتقل من الدوار الرابع إلى الديوان الملكي، وتحول رئيس الوزراء وفريقه إلى موظفين تنفيذيين درجة ثانية، يمارسون بعض المهام والأدوار ذات الطابع الخدماتي فقط. وهذا الدور المهم جدا للحكومة -في طبيعة الحال- يخضع لرقابة مجلس النواب الذي يمثل سلطة الشعب (..) ، هذه السلطة التي صُودرت وحُوصرت وسُلبت وجرى الاعتداء عليها.

في الحقيقة، لا نعلم سبب بقاء حكومة الدكتور بشر الخصاونة في الدوار الرابع؟ فلقد تبين لعابري السبيل أن هذه الحكومة لا تحظى بثقة الملك، كما أنها حتما لا تحظى بثقة الشعب، فلماذا تبقى ولأي غاية؟

مشكلتنا بآليات تشكيل الحكومات، وعلينا أن نعترف بأن الآلية الحالية قد فشلت تماما، ولكن التغيير يحتاج لارادة ورؤية مختلفة، بعيدا عن فزاعات التجاذبات السياسية والحكومات البرلمانية الحزبية، هذه الفزاعات التي استخدمت للانقضاض على تجربتنا الديمقراطية الغضة..