مبادرات فردية لتجنب المأساة المغربية آلاف الحفر المكشوفة في الضفة تُنذر بـ "ريان" فلسطيني

انتكاسة كبيرة أصابت شعوب العالم بخروج الطفل المغربي "ريان" من البئر متوفيًا بعد خمسة أيام من محاولات إنقاذه، لكن الفاجعة دقت ناقوس الخطر لوجود آلاف الآبار والحفر الامتصاصية بالضفة الغربية المحتلة، والتي يُخشى أن يذهب ضحيتها "ريان" فلسطيني.

وحتى قبل خروج ريان متوفيًا، بدأت تخرج مبادرات فردية وشبابية في بعض البلدات لإغلاق فوهات الآبار المكشوفة والمهجورة، تجنبًا لتكرار المأساة المغربية.

وفي بلدة دير ابزيغ برام الله بادر شبان لإغلاق فوهات الآبار المكشوفة، فيما نفّذ الشاب قسام عيسى من قرية أبو شخيدم مبادرة ذاتية مشابهة بقريته.

ويقول خبير المياه ومدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين في شمال الضفة سامي داوود إنه لا تكاد تخلوا بلدة أو قرية أو مدينة بالضفة من هذه الآبار والتي يصعب إحصاؤها بدقة.

ويوضح داود لوكالة "صفا" أن هناك آبارًا رومانية قديمة بمناطق جبلية، جزء كبير منها مهجور حاليًا، وتشكل خطرًا خاصة على الأطفال لعدم وجود أبواب عليها، وهي تكاد تكون غير معروفة لعامة الناس باستثناء رعاة الماشية.

ويشير إلى أن بعض هذه الآبار عليها أبواب، لكنها غير مقفلة بإحكام ويمكن لأي طفل أن يفتحها بجهد قليل.

ويلفت إلى أن البئر الذي سقط فيه الطفل المغربي ريان توجد آبار على شاكلته في بعض القرى بالضفة، وهي محفورة يدويًا على عمق يتراوح ما بين 10-12 مترا وقد يصل إلى 15 مترا، الغرض منها الوصول إلى مياه النزازات.

ويبلغ متوسط عمق الآبار في الضفة 6 أمتار، وتزداد خطورتها بوجود كميات من المياه والحجارة فيها، وإذا سقط فيها إنسان يمكن أن تودي بحياته.

لكن الأخطر من الآبار هي الحفر الامتصاصية خاصة إذا لم تكن محكمة الإغلاق أو لم تكن مبنية حسب الأصول الهندسية.

وتنشط مجموعة الهيدرولوجيين في بناء وتأهيل الآبار للمزارعين، وفي هذا الإطار أتمت تأهيل مئات الآبار خاصة في الأغوار.

ويقول داوود: "عندما نقدم مساعدة لتأهيل بئر، نشترط على صاحبه وضع باب محكم الإغلاق وبمواصفات محددة، ووضع قفل عليه".

ويدعو داوود سلطة المياه والمجالس القروية لتوعية الأهالي وتأهيل هذه الآبار وإغلاقها بإحكام حتى لو كانت غير مؤهلة.

ويؤكد أن إغلاق هذه الآبار غير مكلف ماديا، ومهما بلغت تكلفتها فإنها لا تساوي حياة إنسان واحد.

ويفضِّل أن يكون الخيار الأول تأهيل الآبار المهملة وليس ردمها، خاصة في مناطق (ج) بسبب مشكلة نقص المياه، فوجود بئر يعطي فرصة لتوفير كمية من المياه.

هل نحن جاهزون؟

وتثير الجهود الكبيرة التي بذلتها فِرق متعددة على مدى خمسة أيام متواصلة لإنقاذ الطفل ريان، تساؤلات في الشارع الفلسطيني عن مدى جاهزية طواقم الإنقاذ المحلية للتعامل مع حالات مشابهة.

ويبين مدير العلاقات العامة في الدفاع المدني بالضفة المقدم نائل العزة لوكالة "صفا" أن طواقمهم تتعامل سنويا مع العديد من حالات السقوط في آبار أو برك زراعية أو حفر امتصاصية، وغالبية الضحايا من الأطفال.

وسجل الدفاع المدني في العام الماضي ست حالات وفاة نتيجة السقوط في حفر امتصاصية، وقبل سنتين سجلت حالتا وفاة لمنقبين عن الآثار داخل بئر.

ويقول إن الدفاع المدني بدأ ببناء قدرات طواقمه وتدريبهم وتزويدهم بمعدات للتعامل مع حالات السقوط في الآبار والحفر الامتصاصية، مثل المناصب الثلاثية، واسطوانات الأكسجين وحقائب الإسعاف الأولي.

ويوضح أن الهدف هو تمكين هذه الطواقم من التدخل في حالات مشابهة والبدء بضخ الأكسجين قبل الشروع بالإنقاذ.

ويؤكد أنه من خلال الحالات التي تعامل معها الدفاع المدني فإنه يمكن إنقاذ حياة الإنسان عند السقوط بشكل عَرَضي في بئر مياه، على أن يتم الاتصال بوقت مبكر بطواقم الإنقاذ وتكون هناك سرعة استجابة.

وفي حال السقوط في حفر فارغة من المياه غالبا كان يتم إنقاذ حياتهم.

لكن ما يحصل أحيانا أن السكان المحليين يبدؤون بجهود الإنقاذ، وعندما تفشل جهودهم يتم الاتصال بالدفاع المدني، في حين أن دقائق معدودة قد تفصل بين الحياة والموت.

ويبين العزة أن الحفر الامتصاصية هي الأخطر والأكثر تسجيلا لحالات السقوط فيها، ويعود ذلك إلى انتشارها في كثير من البلدات التي لا يوجد بها نظام للصرف الصحي، وينتج عن السقوط فيها غالبا حالات وفاة وإصابات خطيرة.

وتشكل البرك الزراعية وبرك تربية الأسماك مصدر تهديد كبير خاصة في المناطق الزراعية، إذ لا يتم توفير إجراءات السلامة والوقاية فيها ولا تكون مسيجة وقد تستخدم للسباحة.

ويلفت إلى أن محافظة أريحا لم تسجل فيها حوادث سقوط في الآبار، ويعود ذلك إلى وجود الآبار في أماكن بعيدة وغير مأهولة بالسكان، ويعلم بها المزارعون.

كما أن أقطارها ضيقة جدا، وبمجرد الانتهاء من حفرها يتم تمديد أنابيب فيها وإغلاق الحفرة لتتحول إلى نظام ري.

ومن بين مصادر التهديد في الضفة برك تجميع المياه الناتجة عن مناشير الحجر.

ويقول إن طواقم الدفاع المدني تنظم جولات تفتيش على مناشير الحجر باستمرار، وتلزمهم بوضع حمايات وعوائق لمنع وصول الناس والحيوانات إلى هذه البرك.

ووجه رسالة لكل صاحب بئر أن يبادر بإغلاقه بإحكام، ولكل التجمعات السكانية بضرورة إغلاق أي تجمع للمياه وأي بركة مكشوفة في محيط المنازل والتخلص من المياه فيها بأسرع وقت.