وزارة الصحة .. هدر لإحياء ميت !!

 

يشعر المتابع للشؤون الصحية بأسى بالغ لما آلت اليه الأوضاع الصحية في بلدنا من سوء، ولا يخفي كثير من المختصين والمهتمين والمحللين قلقهم البالغ من عديد من المؤشرات والدلالات على النية المبيتة لخلق البيئة المناسبة للانقضاض على القطاع الصحي العام وخصخصته تحت ذريعة إستحالة إصلاحه ، على غرار سيناريوهات خصخصت قطاعات عديدة ، ذاق الناس مرار ثمارها ويدفعون ثمنا باهظا.

وفي محافظة اربد ، ذات المساحة الشاسعة (1571.7) كم2. والكثافة السكانية العالية (1187.7 )شخص / كم2، ويتجاوز عدد سكانها مليوني نسمه ، وهي التي استقبلت العدد الأكبر من الأشقاء السوريين الذين لجأوا إليها خلال السنوات الماضية ، تتبدى بوضوح شديد أزمة صحية خانقة ، وتراجع كبير في مستوى الخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة من خلال المراكز الصحية والمستشفيات .

ويئن مستشفى الاميرة بسمة، وهو اكبر مستشفيات وزارة الصحة في المحافظة من ازدياد اعداد مراجعيه من ابناء المحافظة والمحولين اليه من المستشفيات الطرفية فضلا عن المحولين اليه من مستشفيات محافظات الشمال ،وكذلك الضغط الشديد الذي يشكله الأشقاء السوريين .

وفي ظل التزايد المضطرد في اعداد المراجعين ، والنقص الحاد في الكوادر الصحية عموما والأطباء واطباء الاختصاص خصوصا ، وقدم الاجهزة الطبية وعدم تزويد المستشفى بأجهزة حديثة تواكب التطور التكنولوجي ، لم يعد يستطيع المستشفى تقديم الخدمة الطبية اللائقة ، وتتفاقم معاناة كوادره ويذوقون الأمرين ، ولا يجدون من ينصفهم في وزارتهم الغارقة حتى اذنيها "بالفيروسات" وليس اسوأها فيروس كورونا !!.

الواقع المر للخدمات الصحية في المحافظة ليس جديدا ، وبات مرضا مزمنا ، إذ قبل أكثر من ست سنوات لمس الملك عبدالله الثاني خلال زيارته للمحافظة سوء الأوضاع وتدني مستوى الخدمات الصحية وعدم كفايتها وضرورة تطويرها والارتقاء بمستواها وتلبية احتياجات المواطنين ، وأمر أنذاك بإنشاء مستشفى جديد لاحداث نقلة نوعية في الخدمة المقدمة لابناء المحافظة .

وبعد سنوات من الأمر الملكي ، وفي عام ٢٠١٨ وضع حجر الأساس لإنشاء المستشفى ، والى يومنا يسير المشروع بسرعة السلحفاه ، والله اعلم الى اين وصل ومتى ينتهي ، واكاد أجزم أن المستشفى الجديد لن يكون قادرا على تلبية الاحتياجات ، حيث مع تشغيله بعد سنوات سيكون عدد السكان قد ازداد وربما تضاعف .

وفي الوقت الذي ينتظر ابناء المحافظة بفارغ الصبر انتهاء مشروع إنشاء المستشفى الجديد ، ويعتبرونه الأكثر أولوية لحيويته ، يجري الحديث عن ذهاب وزارة الصحة الى تحديث مبنى عيادات الاميره بسمه في موقع المستشفى القديم لاستغلالها كأداره للمستشفى .

ويقول مطلون على وزارة الصحة من داخلها انه اذا صح توجه الوزارة الى تنفيذ هذا المشروع فأنه يقدم دليلا آخر اضافيا على حالة ارتباكها وسوء إدارتها، وتعاميها عن أولويات الناس وهمومهم فالمشروع يمثل هدرا للمال العام ، إذ يتم الحديث عن كلفة تصل الى نحو ١٧٠ الف دينار لصيانة الطابق الثاني من المبنى، علما ان عمر العيادات الافتراضي منتهي ، وانه كان قد اتخذ قبل سنوات قرارا بإزالة مبنى العيادات لانشاء مبنى مكانها .

ويذكر أن مستشفى الاميرة بسمة اسس عام 1953 وأُفتتح عام 1960، بطاقة استيعابية حينها لا تتجاوز 50 سريراً، ويتساءل متابعون هل هناك جدوى تذكر من أنفاق مبلغ مالي كبير لصيانة وإعادة تأهيل مبنى قديم انتهت مدته الافتراضية ، ليكون مقرا للإدارة، في الوقت الذي تحتاج المحافظة الى مشاريع صحية حيوية تنتشلها من الأوضاع الصعبة التي تواجهها على الصعيد الصحي ؟! .

ويذهب المتابعون والمهتمون والحريصون على المال العام والانفاق الراشد الى القول :" أن الانفاق على المشروع ما هو إلا شكل من أشكال الفساد " وهو كذلك محاولة بائسة لإحياء ميت ، فيما الأحياء يواجهون أحلك الأوقات عند مراجعة المستشفيات ، ويموتون قهرا من مشاهد اقل ما يقال انها " تجلط" !! .

هل لدى الوزارة ما تقوله ليطمئن ابناء محافظة اربد بأن أولويتها انجاز المستشفى الجديد بأسرع وقت ، وأن ما يقال حول مشروع صيانة وإعادة تأهيل مبنى العيادات في موقع المستشفى القديم لا يستند الى معلومات دقيقة ، واتمنى ان يكون الأمر كذلك !!.