موازنة البلاد..في إزعاج العباد



ما مِنْ مَشْهَدٍ يتَّسمُ بهذا القدْرِ الهائلِ من العجائبِ والغرائبِ ،كالمشهدِ الأردنِيِّ ،وما من بلد لمسيلمة فيه أتباع كالأردن ،وما مِن بلدٍ فيه الكلام مثل: "(..) ع البلاط" كالأردن.

ما مِنْ شيءٍ غريبٍ في الأردنَّ ،وما مِنْ شيءٍ لا يمكنُ فِعْله في الأردنِّ ،في الأردنِّ يقولُ النوابُ والساسةُ عكسَ ما يفعلون ،ويفعلونَ عكسَ ما يقولون ،ويُخطئُ مَنْ يتصورُ أنَّ الناسَ يصدِّقون .

في الأردنّ أصبحَ مجلسُ النوّابِ حسينية للطميات ،ومَسرحاً مفتوحاً لِممَارسةِ كلِّ فنٍ مِن دونِ حسابٍ .

الأردنُّ البلدُ الوحيد في العالمِ ،الذي يحاول فيه النوابُ الضحكَ على ذقونِ الشّعبِ ،ليسَ لتأكيدِ هذهِ البديهياتِ المعروفةِ مِن قِبَلِ الناسِ ،وإنّما لأنّ مثل هذا الفعلِ يتمُّ للتسويقِ الإعلانِيِّ المقبوحِ .

لَكَمْ تبدو تمثليةٌ ساخرةٌ ،تلك التي تجري أحداثُها على مسرِح البرلمانِ الأردنِيِّ في مناقشةِ الموازنةِ العامّة لهذا العام وللأعوام السابقة واللاحقة ،عندما يتبارى رموز الصراخ النيابي ،الّلطمِ والنواحِ والعويلِ والصراخِ وفردِ العضلاتِ ،وإذا في نهايةِ الحفلِ ،تتسرب أخبار الصفقات المريبة خلف الأبواب المغلقة بين النواب والحكومة بغرض الحصول على المكاسب‮ ‬غير المشروعة والتي‮ ‬تكون دائماً‮ ‬على حساب الوطن والمواطن‮.‬‬‬‬‬

لتمنح الحكومةَ بعد ذلك صكوكَ الغفرانِ ،وتقرّ الموازنة البائسة ،بالأغلبيةِ النيابِيّةِ التي كانوا قدْ رفضوها مِنْ قبلُ أيضا بالأغلبيّةِ.

كّمْ سيبدو احتفالُ البرلمانِ مُضحكاُ بإنجازه هذا ؟إنّنا أمامَ نموذجٍ مخجلٍ ،يندى له جبينُ الكريمِ ,ويضيقُ به صدرُ الحليمِ .

إنّها الثنائية - الفِصامُ - الشيزوفرينيا Schizophrenia - في السلوكِ وفي الفكرِ ،تجدُ الواحدَ منهم في داخلهِ نائبٌ كاملٌ ،مؤمنٌ بحقوقِ الشعبِ وتوابعِ ذلك كلِّهِ ،ولربما نافحَ وجادلَ عن هذهِ الحقائقِ أكثرَ ممّا ينافحُ ويجادلُ عنها أي مواطنٍ ،وهو الإنسانُ الذي إذا ناقشْتَه فيما يقعُ عليهِ من مسؤولياتٍ وتبعاتٍ اتجاه الشعبِ ،تجده ذا لسانٍ ذَلقٍ وفكرِ مستنيرٍ ،حتى إذا نظرتَ إلى واقِعِه السلوكِيِّ ،وجدْتَه شاردًا إلا فيما ندرَ عن صراطِ الشعبِ ،ووجدته في تعاطيهِ مع الحكومةِ ،يجنحُ إلى مصالحهِ الشخصيّةِ ،وإن اقتضى ذلكَ أنْ يبيعَ الشعبَ ،وأنْ يَغِشَّ وأنْ يخدعَ وأنْ يكذبَ وأنْ يماري.

وصدق الله العظيم إذ يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون﴾

أما آن الأوان ليُرْفَعْ الغطاءُ عنه ،بعد كلّ هذه الاستعراضاتِ البائسةِ التي اشغلنا بها منذُ ولادتِه المُشوَّهَةِ .