عن الغياب، والجامعة، وأحفاد سارقي إبل العرب..
"ذهبوا بالإبل وأوسعتهم شتما"، مثل قالته العرب يوثق لحادثة عجز فيها أحد ألأعراب عن منع لصوص سطوا على إبله من الذهاب بها وسرقتها، وكان جل ما فعله الأعرابي أن شتم اللصوص الذين لم تمنعهم شتائم الرجل من سرقة إبل الأعرابي. في المثل الذي قالته العرب دليل ساطع على وجود اللصوص والفاسدين في ماضي الزمان، ودليل على أن الفاسدين واللصوص الذي يصولون ويجولون بيننا اليوم هم خير خلف لخير سلف.
ولأنني من المؤمنين أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأنه لا يمكنك أن تستحم في نفس ماء النهر مرتين، فأنني أجزم أن الفساد الذي نعيشه اليوم، لا يشبه كثيرا الفساد الذي ساد في عصر الأجداد. فإذا كان عصر الأجداد شهد فسادا، فإن عصر الأحفاد تميز بالفجور في ممارسة الفساد واللصوصية ونهب المال العام. والدليل انه وفي المثل الذي قالته العرب سمح من قاموا بسرقة الإبل لصاحبها أن يرفع صوته، شاتما ولاعنا لهم ولفعلتهم، وأما في عصر الفجور في ممارسة الفساد الذي نعيشه فان اللصوص والفاسدين والذين لم تعد تقتصر سرقاتهم على الإبل، لا يسمحون بأي كلمة نقد تشير ولو بأدب إلى فجورهم في ممارسة الفساد والعبث والتخريب. هم يريدون الزبدة وثمن الزبدة، كما يقول المثل الفرنسي. فهم اختاروا الفساد واللصوصية مهنة وحرفة، ولكنهم يرفضون بالمطلق أن يسموا بالفاسدين وباللصوص، بل أنهم يمارسون كل أنواع الإرهاب والابتزاز كي يحصلوا على ألقاب وصفات تشير إلى صفات الشرف والنبالة فيهم.
منذ سنوات وجامعة اليرموك تتعرض للظلم والعبث والعدوان، ومنذ سنوات وأنا أمارس واجبي كإبن لهذه المؤسسة التي أدين لها بالكثير. ومنذ سنوات وحجم الاذى وحجم الظلم على الجامعة يكبر ويكبر، وأنا أصر على الكتابة على أمل أن يتوقف العابثون أو يتم أيقافهم عن ممارسة عبثهم بل وفجورهم في ممارسة هذا العبث. وفي موازاة الظلم الكبير الذي تعرضت له المؤسسة، كان هناك على الدوام ظلم مواز يمارس بحقي.
ولأنني أرفض المتاجرة بمظلوميتي فأنني لم أكتب ولا حتى سطرا واحدا عن ممارسات فضائحية قام بعض من يشغلون أعلى المواقع بالجامعة بممارستها بحقي، وبما يلوث قوانين الجامعة واسمها، ولأنني أصر دائما على أن أكثر الحروب بطلانا وخسرانا هي التي تخاض بدافع شخصي ولهدف شخصي. وفي مقابل أحجامي عن كتابة سطر واحد عن فضائح وزنى مورس بحق قوانين التعليم العالي من أجل إلحاق الأذى بي، فأنني كنت مصرا على الدوام على الكتابة بهدف محاربة العبث والفساد الذي لحق بالمؤسسة والجامعة.
منذ سنين وأنا اكتب عن الظلم الذي تتعرض له الجامعة والعاملين بها ومن ورائهم كل دافعي الضرائب الأردنيين، باعتبار أن الجامعة مؤسسة هي مؤسسة وطنية. وما بين المقالة والمقالة التي كنت اكتبها، كانت جبال المديونية على الجامعة تتراكم، وكانتت حقوق العاملين تتناقص وتتآكل.
ولاننا نعيش في زمن وفي بلد، بات من المألوف أن ترى الضحية وأكوام الضحايا، وأن ترى كم الطعنات التي وجهت إلى جسد الضحية والضحايا، ولكن بات من المستحيل أن تعرف المجرم والمجرمين، وحيث الأردن بات يمثل حالة فريدة في حجم الحديث عن الفساد دون أن يعرف الاردنيون أو يتعرفون على اسم فاسد واحد، بحيث بتنا أمام المعادلة الفاسدة "فساد بدون فاسدين" . فهناك دائما تجهيل لاسم المجرمين والفاسدين، برغم أن القاعدة القانونية تقول أنه حين تكون هناك جثة لقتيل، فيجب حتما أن يكون هناك قاتل.
في تفسير الغياب الذي أعيشه منذ عدة أسابيع عن بعض الاصدقاء وبعض متابعي ما أكتب، كانت هناك رغبة في الصمت وراءها خليط من الدوافع والرغبات: إحساس بالصدمة من هول الفجور الذي يمارسه من أحالوا الجامعة من مشروع وطني واعد في بداياته، إلى رجل التعليم العالي المريض، وكان هناك إحساس بالقرف من ممارسة فعل الكلام والكتابة في مجتمع بات يشعر الفاسدون فيه أنهم الأقوياء، وأن صدارة المشهد هي لهم فقط. وكان هناك أمل ولو ضعيف بأن تقوم بعض المؤسسات، أو ما تبقى منها، أو ما تبقى من رجال أنقياء فيها بممارسة دورهم في ردع بعض الفاسدين ومنعهم من الفجور في ممارسة ابتزازهم وإرهابهم لمن يحاول الدفاع عن المؤسسة والجامعة.
في كل مراحل حياتي التي بدأت في الزرقاء، فأم قيس، فإربد، فبوردو الفرنسية، فإربد، كان مشروعي هو العلم والمعرفة والكرامة. لم يكن مشروعي أبدا كرسي أجوف أو فيلا مسخ، أسكن في شقة بسيطة تقل مساحتها عن 180 مترا، وقراري هو أن أموت في هذه الشقة بكل هذا الكم من الكرامة الذي ناضلت كل حياتي من أجله. أقود سيارتي منذ عشرين عاما، ولم أسجل مخالفة سير واحدة لشدة احترامي وتقديسي لحياة الناس وأرواحهم وانأ أقود سيارتي على الطرق.
في مواجهة من فجروا في فسادهم وعبثهم بالجامعة وبعضهم يعيش الآن وراء البحار، لن تكون أبدا هناك هدنة، وطالما أن الجثة موجودة فإن جريمتهم تصبح واقعا وليس محض خيال، وطالما أن هناك جثة فستتواصل المعركة كي يتم الكشف عن أسماء الفاسدين وعن الذي فعلوه بحق المؤسسة و الذي تود بعض مراكز النفوذ تجهيل أسمائهم كما أفعالهم المشينة.
في الأيام القادمة سوف أكتب لأوثق لأهم المفاصل والملفات التي عاشتها الجامعة منذ العام 2016 وتحت سمع وبصر كل تلك المؤسسات التي يفترض بها أن تراقب وتردع وتحاسب، وحيث كانت رحلة الجامعة بعد هذا العام لا تشبه مطلقا رحلتها قبله.